(أحوال الإسناد الخبرى)
  لا ثواب لمشتريه إلى من لم يعمل بموجب علمه به، أو إلى من لم يعمل بموجب علمه بعلم المخاطب (بكسر الطاء) به حتى يكون من باب إلقاء الكلام لفائدة الخبر أو للازمها، تنزيلا للعالم بهما منزلة الجاهل، بل لما نزل عالمهم منزلة الجاهل نفى عنه العلم؛ لأنه والجاهل سواء، فرجع إلى أنه من باب تنزيل الشيء منزلة عدمه، فينفى لا من باب تنزيل علم الفائدة أو لازمها منزلة الجهل بهما، فيلقى لذلك المنزل كلام يفيدهما.
  وتحقيق ذلك أن الخطاب لسيدنا محمد ﷺ وأصحابه ليس هنالك ما يقتضى عدم عملهم بموجب علمهم به، مع أنه لا دليل على علمهم بمضمون الخطاب حال توجهه لهم، فتعين كونه من تنزيل الشيء منزلة عدمه فى الجملة، ومثل هذا التنزيل الأخير أعنى تنزيل الشيء منزلة عدمه فينفى، قوله تعالى {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى}(١) نزل رميه ﷺ المشركين بقبضة الحصى يوم بدر بما ترتب عليه من الأمر الغريب، وهو وقوع الحصى فى عين كل واحد من الكفرة منزلة عدمه؛ لأنه بالنسبة لما ترتب عليه كالعدم إعلاما بأنه من خصائص القادر المختار تذكيرا للنعمة وتنبيها على الخصوصية الكائنة بالقدرة، وإشارة إلى أن هذا الواقع بمحض القدرة سببه بالنسبة إليه كالعدم إذ لا يقاومه، وأما حمله على معنى {وَما رَمَيْتَ} حقيقة بل {اللهَ رَمى} فليس من التنزيل فى شيء؛ لأن المنفى كون الرمى بالتأثير وعلى الحقيقة، وهو صحيح على ظاهره، ولما بين الغرض الأصلى فى الكلام، ومعلوم أن الزيادة على المحتاج فى كل شيء مما لا ينبغى، رتب على ذلك أنه ينبغى أن يقتصر من الكلام على ما يفيد ذلك القدر فقال: (فينبغى) إذا كان الغرض الأصلى من الكلام ما تقدم (أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة) أى: أن يقتصر من ألفاظ التركيب على ما يفيد الغرض المذكور إذ هو المقدار المحتاج، حيث لا يتعلق الغرض بالزائد فى المقام، وإلا كان المزيد لغوا، واللغو باطل مخل بالبلاغة (ف) حين وجب الاقتصار على القدر المحتاج (إن كان) الملقى إليه الكلام (خالى الذهن من
(١) الأنفال: ١٧.