الحقيقة والمجاز العقليان
  مدلوله وصف مدلول المبتدأ كقوله: إنما هى أى: الناقة إقبال وإدبار؛ لأن الإقبال والإدبار وصف الناقة فيكون حقيقة، وقد نصوا على أن صدق الإقبال والإدبار على الناقة هنا مجاز، إذ ليس المراد تشبيهها بالإقبال حتى يكون تشبيهها بليغا، ولا المراد ذات إقبال وإدبار، ولو كان صحيح المعنى لأنه يفيت(١) المبالغة المقصودة للشاعر، وهى كونها لكثرة وقوع الإقبال والإدبار منها صارت نفس كل منهما، وهذا النوع من المجاز المرسل يفيد المبالغة فى كثرة الاتصاف، ولو لم يكن على طريق التشبيه، ولا يجاب بأن الإسناد إلى المبتدأ عند المصنف سواء كان فيه إطلاق المسند على المسند إليه بتأويل أو لا، لا يسمى مجازا عقليا ولا حقيقة عقلية؛ لأن التعاريف لا يتكل فيها على أمر خارج عنها، بل الجواب أنا لا نسلم أن إسناد الإقبال والإدبار هنا لما هو له للقطع بأن إسناد الخبر إلى المبتدأ إنما يكون إسنادا لما هو له، إن كان على معنى أنه من مصدوقاته ومن مسمياته الأصلية، ومعلوم أن الناقة ليست من مسميات الإقبال والإدبار فى الأصل - ولو كانا وصفين لها - إذ لا يحملان عليها بالمواطأة، بل بالاشتقاق، فلا يكون إطلاقهما عليها حقيقة إلا إن كان أصليا لا تأويل فيه، ولا يصح ذلك فيهما إلا بتأويل، فيكون إطلاقهما وإسنادهما مجازا، لكن يرد على هذا أن المصنف يدخل فى تعريفه الآتى فى المجاز ما يراه خارجا عنه، وهو الإسناد إلى المبتدأ فتأمله.
  والمراد بكون المسند للمسند إليه كونه وصفا له وحقه أن ينسب إليه بالاتصاف سواء كان صادرا عنه بالاختيار كضرب، أو غير صادر عنه كذلك كمات، وسواء كان مما يطلق عليه عرفا أنه فعل لله تعالى كالحياة، أو يطلق عليه عرفا أنه فعل لغيره كالضرب، ولو كان كل فعلا لله تعالى فى نفس الأمر، ولما كان المتبادر من كون الشيء لما هو له كونه له فى الواقع وفى نفس الأمر وذلك يخرج نحو قول الجاهل: أنبت الربيع البقل كما سيأتى زاد قوله (عند المتكلم) لإدخاله، ولما كان قوله عند المتكلم يتبادر منه أن المراد عنده فى اعتقاده؛ لأن قول القائل: هذا الذى عند فلان إنما يتبادر منه أن المعنى هذا فى اعتقاده، وذلك يخرج قول القائل: جاء زيد، وهو يعلم أنه لم يجئ
(١) كذا في الأصل.