مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الحقيقة والمجاز العقليان

صفحة 165 - الجزء 1

  ثم إن المجاز العقلى والحقيقة العقلية أوردهما غير المصنف فى علم البيان الموضوع لبيان ما يعرف به كيفية إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة؛ لأن اختلاف الطرق يكون بالحقيقة والمجازية فى الجملة، وأوردهما المصنف فى علم المعانى لأنهما من أحوال الكلام المفيد باعتبار عروضهما لإسناده الذى به صار مفيدا، والكلام المفيد فيه تراعى المعانى الزائدة على أصل المراد ليطابق بها الكلام مقتضى الحال، بخلاف الحقيقة والمجاز اللغويين فليسا من أحوال الكلام المفيد، بل من أحوال أجزائه، والمفيد من حيث إنه مفيد بالإسناد هو المعروض للمعانى الزائدة على أصل المعنى المراد ليطابق بها مقتضى الحال كما تقدم، لكن يرد على هذا أنهما إنما يكونان من علم المعانى إن ذكرا فيه من حيث المطابقة لمقتضى الحال، ولم يذكرا فيه من تلك الحيثية بل من حيث تفسيرهما وذكر أقسامهما، وقد يجاب عن هذا بأن تصور حقيقتهما يدرك معه بسهولة مما يذكر فى علم المعانى كيفية الاستعمال للمطابقة لمقتضى الحال؛ لأنه إذا علم أن المجاز يفيد تأكيد الملابسة علم أنه لا يعدل إليه إلا عند اقتضاء المقام لذلك التأكيد مثلا، فكأنه ذكر ولو لم يصرح به لوضوحه (وهى) أى: الإسناد المسمى بالحقيقة العقلية، ولذلك أنث الضمير (إسناد الفعل أو معناه) يعنى: إسناد لفظ الفعل أو إسناد لفظ دال على معنى الفعل الأصلى، وهو الحدث لأنه هو الذى دل عليه جوهر اللفظ دون الزمان، وذلك كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل والظرف والجار والمجرور، وإنما قلنا إسناد لفظ؛ لأن معروض الإسناد كما تقدم هو اللفظ لا المعنى إلا بتوسع (إلى ما هو له) أى: إلى شيء ذلك الفعل أو معناه لذلك الشيء، يعنى أن إسناد لفظ الفعل أو لفظ دل على معناه إلى لفظ له أى: لمعنى ذلك اللفظ مدلول ذلك الفعل أو مدلول ذلك اللفظ الدال على معنى الفعل هو الحقيقة بالشرط الآتى، فإذا قلنا: ضربت زيدا فقد أسندنا إلى الفاعل لفظ ضرب الدال على المعنى الذى هو وصف الفاعل، فيكون حقيقة، وكذا إذا قلنا ضرب عمرو بكسر الراء على أن عمرا مضروب، فقد أسندنا إلى المفعول لفظ الفعل الذى هو ضرب الدال على وصف المفعول، فيكون حقيقة، وظاهر عموم ما أن المبتدأ داخل إذا أسند إليه ما