حتى إذا وأراك أفق، فارجعي
  ما هو منشأ المنافع والمحاسن، إذ لا منفعة ولا حسن فى الموت، وكذا الشباب الذى هو المسند إليه معناه الأصلى كون الحيوان فى زمن ازدياد قوته، وإنما سمى هذا المعنى شبابا لأن الحرارة الغريزية حينئذ تكون مشبوبة مشتعلة: من شب النار: أوقدها، وقد استعير لكون الزمان فى ابتداء حرارته الملابسة له وفى ابتداء ازدياد قواه أى: الأصول ذوات القوى النباتية؛ لأنها إنما يتقوى نموها فيه، ووجه الشبه كون كل من الابتداءين مستحسنا لما يترتب عليه من نشأة الأفراح والمحاسن، عكس الهرم الذى يكون فى آخر زمان الحيوان وآخر زمان الأزهار والنبات بخمود تلك المحاسن واضمحلالها، فقد ظهر أن الطرفين مجازان لغويان، والإسناد مع ذلك مجاز عقلى ولا منافاة بينهما (أو مختلفان) بأن يكون أحد المسندين مجازيا والآخر حقيقيا فإما أن يكون المسند حقيقة والمسند إليه مجازا (نحو أنبت البقل شباب الزمان) فالمسند الذى هو إنبات البقل حقيقى والمسند إليه الذى هو شباب الزمان مجازى (و) إما عكسه نحو (أحيا الأرض الربيع) فالمسند الذى هو إحياء الأرض مجاز، والمسند إليه الذى هو الربيع حقيقة، وإنما نبه على التقسيم لئلا يتوهم عدم صحة تعدد المجاز فى كلام واحد من نوعين، ووجه الحصر على مذهب المصنف واضح؛ لأنه جعل المجاز العقلى فى إسناد الفعل أو معناه إلى الفاعل أو غيره مما ليس مبتدأ كما تقدم، فانحصر فيما بين الكلمتين، والكلمتان لا يخلوان من هذه الأقسام فنحو: زيد نهاره صائم المجاز عند المصنف إنما هو فى إسناد صائم إلى ضمير النهار، وأما على مذهب السكاكى الذى يجعل المجاز فيما بين إسناد جملة «نهاره صائم» إلى زيد لأنه يفسر المجاز العقلى بالكلام المفاد بإسناده خلاف ما عند المتكلم بتأول فهو مشكل؛ لأن مجموع نهاره صائم وهو أحد طرفى الجملة المفاد بإسنادها الخلاف لا يسمى مجازا لغويا؛ لأن المجاز اللغوى فسره السكاكى بالكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له ومجموع نهاره صائم ليس بكلمة فكان الحصر فى الأقسام الأربعة على مذهب السكاكى مشكلا بهذا الوجه ولا يبطل الحصر على مذهب المصنف بالكناية، لأنها لا تخرج عن الحقيقة والمجاز على ما سيجيء إن شاء الله تعالى.