مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أقسام المجاز العقلي

صفحة 177 - الجزء 1

  (وهو) أى: المجاز العقلى (فى القرآن كثير) وقد تقدم فى القرآن على متعلقه وهو كثير للاهتمام، ومعلوم أن كثرته فى القرآن لا تستلزم كونه أكثر من الحقيقة والغرض من بيان كثرته فى القرآن الرد على من يتوهم انتفاءه عنه، ولكن القائل بذلك لا يخصص النفى بالمجاز العقلى بل يعممه فى كل مجاز لإيهام المجاز الكذب؛ لأنه خلاف الظاهر والقرآن منزه عن ذلك، ورد بأنه لا إيهام مع القرينة.

  وأما حمله على أن القصد الرد على من ينفى وجود المجاز العقلى دون اللغوى فلا يتم إلا برد تأويله الأمثلة دون مجرد ذكر الأمثلة، ثم أشار إلى أمثلة وجوده فى القرآن فقال: وذلك كما فى قوله تعالى ({وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً})⁣(⁣١) فإن إسناد زيادة الإيمان إلى الآيات مجاز من باب الإسناد إلى السبب العادى؛ لأن الزيادة فعل الله ø، والآيات يزاد بها عادة ولم يقل المصنف: كقوله تعالى ليظهر أنه تمثيل، ولو كان ذلك هو المقصود؛ وذلك لإيهام أن المعنى: وإذا تليت على منكرى المجاز فى القرآن آياته زادتهم إيمانا بوجوده فيه، فيكون فى الكلام اقتباس، لكن الغرض الحقيقى إنما هو التمثيل لا ما ذكر وكما فى قوله تعالى ({يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ})⁣(⁣٢) فإن فيه إسناد التذبيح إلى فرعون، وهو سبب آمر والمذبح فى الحقيقة أعوانه وكما فى قوله تعالى ({يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما})⁣(⁣٣) فإن فيه إسناد نزع اللباس عن آدم وحواء لإبليس مجازا وهو فى الحقيقة لله ø؛ لأن إبليس سبب بوسوسته ومقاسمته لهما أنه لهما لمن الناصحين فى أكل الشجرة، وأكل الشجرة سبب نزع اللباس وسبب السبب سبب، فهو من باب الإسناد إلى السبب ولو كان بالتوسط، وكما فى قوله تعالى ({يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً})⁣(⁣٤) نسب جعل الولدان شيبا: جمع أشيب إلى اليوم مجازا؛ لأن الضمير فى يجعل له من باب الإسناد إلى الزمان والجعل فى الحقيقة لله تعالى، ويوما منصوب على أنه مفعول


(١) الأنفال: ٢.

(٢) القصص: ٤.

(٣) الأعراف: ٢٧.

(٤) المزمل: ١٧.