مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أقسام المجاز العقلي

صفحة 181 - الجزء 1

  وجهه وأمعنته فيه ازددت فيه إدراك محاسن أخرى لم تكن تدرك بظاهر النظر؛ لأن وجهه مودوع المحاسن ظاهرة وباطنة، فالوجه لا يتصف بجعل المتكلم موصوفا بإدراك الحسن الزائد، فكان الإسناد إليه مجازا وإنما يتصف بذلك الجعل الله تعالى، فالإسناد إليه هو الحقيقة (أى: يزيدك الله حسنا فى وجهه) فالإسناد فى المثالين إلى السبب مجاز وهو فى الأصل لله تعالى، وخفاء هذه الحقيقة من جهة عرف الاستعمال؛ لأنه لا يقصد الاستعمال الحقيقى فى عرف اللغة، فصار بمنزلة المجاز اللغوى الذى لم تستعمل له حقيقة كما قيل فى الرحمن، وإنما نبه المصنف على أن الحقيقة للمجاز قد تكون خفية للرد على الشيخ عبد القاهر فى قوله: إن نحو المثالين من المجاز فى الإسناد الذى لا حقيقة له، فبين أن له حقيقة خفيت على الشيخ وهى ما بين من أن الإسناد فى الأصل لله تعالى وقد تبع فى هذا الرد الفخر الرازى حيث قال: كل فعل لا بد له من فاعل لاستحالة صدوره بلا فاعل، فإن كان ذلك الفاعل هو ما أسند إليه الفعل فلا مجاز، وإلا فيمكن تقديره. فاعتقد المصنف صحة هذا الكلام فقدر الفاعل فى المثالين الله تعالى؛ لأنه الفاعل الحقيقى، وهذا الرد يتجه إن كان مراد الشيخ أن ثم أفعالا لا يتصف بها شيء على وجه الحقيقة ولا يمكن فرض موصوف لها أصلا، وليس ذلك مراده، بل المراد أن نحو: سرتنى رؤيتك، وأقدمنى بلدك حق لى على فلان، ويزيدك وجهه حسنا، لا يقصد فى الاستعمال العرفى فيها فاعل الإقدام، ولا فاعل السرور المتعدى، ولا فاعل الزيادة المتعدية، ولذلك لم يوجد فى ذلك الاستعمال إسنادها لما يحق أن يتصف بها؛ لأنها لكونها اعتبارية ألغى عرفا استعمالها لموصوفها الذى تعتبر به، ولو صح أن لها موصوفا لأن الغرض من ذلك التركيب ما وجد خارجا من القدوم والسرور اللازمين والزيادة اللازمة، فصار هذا التركيب فى إسناده كالمجاز الذى لم تستعمل له حقيقة، ولم يرد الشيخ أن هذه الأفعال الاعتبارية لا موصوف لها فى نفس الأمر يكون الإسناد إليه حقيقة، بل المراد أنه لم يستعمل لعدم تعلق الغرض به، ولهذا كان ما ذهب إليه المصنف تكلفا وتطلبا لما لا يقصد في الاستعمال ولا يتعلق به الغرض فى التراكيب، وهذا إن سلم اندفع به الرد على الشيخ، وإلا فالرد وارد فليتأمل، فإن هذا المقام مما صعب فهمه على كثير والله الموفق بمنه وكرمه.