تعريف المسند إليه بالعلمية
  بأن المراد بالكناية هنا أن يطلق اللفظ ويراد به لازم معناه كما يقال حاتم ويراد به لازمه الذى اشتهر به وهو الجود، أو لم يشتهر به، كما يقال أبو لهب ويراد به لازمه فى الجملة، وهو كونه جهنميا، ولا يراد الشخص المسمى بحاتم، ولا بأبى لهب ففيه نظر، وذلك أن أهل الفن مثلوا فى هذا المقام بتبت يدا أبى لهب، ومعلوم قطعا أن المراد به الشخص لا لازمه، وأيضا لو كان كذلك فإن أراد أنه يطلق على غير مسماه بضرب من المشابهة واعتبار تناسب العلمية، وجعله كليا كما يطلق حاتم ويراد به جواد فى الجملة بهذا الاعتبار كان استعارة على ما يأتى - إن شاء الله تعالى - لا كناية، وإن أراد الإطلاق عن الغير باعتبار اللزوم العرفى من باب إطلاق المقيد على المطلق لا باعتبار المشابهة كإطلاق أبى جهل اللازم معناه الذى اشتهر به، وهو كونه جهنميا كان مجازا مرسلا، وإن أراد الإطلاق على لازم اتفق حصوله فى الشخص، ولو لم يشتهر بلزومه حتى يكون تشبيهيا أو إرساليا كان قولنا هذا الرجل مثيرا إلى كافر فعل كذا كناية عن الجهنمى ولم يقله أحد فتأمله.
  (أو إيهام استلذاذه) أى: إيهام المتكلم السامع أن العلم وجده لذيذا فأحرى إذا وجده لذيذا بالفعل كقوله:
  بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاى منكن أم ليلى من البشر(١)
  كرر ليلى لإيهام الاستلذاذ، أو لوقوع الاستلذاذ، وكان يكفيه أم هى وإيهام الاستلذاذ يظهر عند تكرار اسم ما يظن محبوبا (أو التبرك به) كقولنا الله الهادى ومحمد هو الشفيع عند قول الجاهل هل الله الهادى أو هل محمد الشفيع (أو نحو ذلك) كالتفاؤل فى قول القائل سعد فى دارك والتطير فى قولك السفاح فى دار صديقك والتسجيل على السامع أى: التحقيق والتثبيت عليه كما يحقق الشيء بالكناية حتى لا يجد إلى إنكار السماع سبيلا فإذا قيل لأحد هل سببت هذا وأهنته، فيقول زيد سببته وأهنته بمسمع منه فلا
(١) البيت لقيس بن الملوح في كتاب التبيان للطيي تحقيق د / عبد الحميد هنداوي ص ١٤٨، وشرح المرشدى على عقود الجمان ١/ ٥٧.