مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تعريف المسند إليه بالإشارة وأغراضه

صفحة 208 - الجزء 1

  بأمره (نحو) قوله (هذا أبو الصقر فردا)⁣(⁣١) أى: فى حال كونه فردا، أو أمدح فردا فهو منصوب إما على الحال أو على تقدير الناصب (فى محاسنه) جمع حسن معنى لا لفظا (من نسل شيبان) خبر بعد خبر (بين الضال والسلم) حال من نسل شيبان أى: حال كون نسل شيبان مستقرا بين الضال وهو السدر، والسلم هو شجر له شوك، وهما من شجر البوادى وأشار بذلك إلى ما تتمادح به العرب من سكنى البادية؛ لأن العز مفقود فى الحضر، فقوله هذا إشارة إلى تمييز أبى الصقر أكمل تمييز ليكون مدحه فى الأذهان كالنار على علم، وظهور نعته عند الناس كظهور البدر بلا غيم ولا خسوف، وإنما أفاد اسم الإشارة أكمل التمييز لتنزله فى المحسوس الذى أصله أن يستعمل فيه منزلة وضع اليد، ولو كان فى المعارف ما هو أعرف منه فإن ذلك لا ينافى أن تكون فيه خصوصية يفوت بها ما سواه؛ لأن المراد بكون المعرفة أعرف من غيرها أنها أكثر بعدا من عروض الالتباس، وذلك لا ينافى أن يكون ما هو دونه أقوى منه فى هذا المعنى الصور، فإن اسم الإشارة إذا كان المشار إليه حاضرا حسيا مع كون السامع رائيا أو نزل بتلك المنزلة أقوى من العلم المشترك فى الحالة الراهنة فلا يرد أن يقال إن تمييزه أكمل تمييز يتوقف على أعرفيته، ولم تثبت بعد (أو التعريض بغباوة السامع) وأنه لا يدرك غير المحسوس؛ لأن اسم الإشارة الأصل فيه أن يستعمل فى المحسوس المشاهد فيقع التعريض به كما يقع بنفس الإشارة الحسية وبنفس وضع اليد على الشيء، فإنه لو سألك إنسان بحضرة فاعل لفعل ما، فقال من هو، وقمت تضع يدك على ذلك الفاعل، ولو أجبت باسمه لعرفه كان فى ذلك من التعريض بغباوته ما لا يخفى لا سيما عند وجود القرائن الدالة على المسئول عنه، فاسم الإشارة يفهم التعريض بالغباوة كالإشارة حسا كقوله:

  أولئك آبائى فجئنى بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع⁣(⁣٢)


(١) البيت لابن الرومى فى الإيضاح ص (٤٩) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى، والمفتاح ص (٩٨)، والإشارات والتنبيهات ص (٣٨)، ولطائف التبيان ص (٥١).

(٢) البيت للفرزدق في ديوانه ١١، ٤١٨.