تعريف المسند إليه بالإشارة وأغراضه
  ففى قوله: أولئك آبائى تعريض بغباوة جرير، وأنه لا يدرك غير المحسوس بخلاف ما لو قال فلان، وفلان، وفلان آبائى، وقوله: فجئنى بمثلهم أمر تعجيز أى: لا تقدر أن تأتى بمثلهم فى مناقبهم إذا جمعتنا مجامع الافتخار والإنشاد يوما ما (أو بيان حاله فى القرب أو البعد أو التوسط) أى: يكون تعريف المسند إليه باسم الإشارة لبيان حال معنى المسند إليه من قرب أو بعد أو توسط، وأخر ذكر التوسط؛ لأنه نسبة لا تدرك إلا بعد إدراك طرفى القرب والبعد (كقولك) فى بيان حال القرب (هذا) زيد (أو ذلك) أى: وقولك فى بيان حال البعد ذلك زيد (وذاك) أى: وقولك فى بيان حال التوسط ذاك (زيد) وههنا بحث تقدمت الإشارة إلى مثله، وهو أن حاصل ما ذكر أن اسم الإشارة يستعمل لمعناه الذى هو المشار إليه القريب، والمشار إليه البعيد، والمشار إليه المتوسط، وهذا أمر معلوم لغة، وليس من وظائف هذا الفن، وأجيب بأن اللغوى بين معانى هذه الألفاظ، والبيانى بين أنه إذا أريد المشار إليه القريب مثلا أتى باللفظ الدال عليه، وهذا زائد على أصل المراد الذى هو أن يعبر عن المسند إليه ليتصور بأى لفظ محكوما عليه بالمسند، ورد هذا بأن الزيادة على أصل المراد لا تكفى فى مطابقة الكلام لمقتضى الحال التى هى مراعاة الزيادة على أصل الوضع، وإنما قلنا ذلك؛ لأن مطلق الزيادة على أصل المراد مدركة بغير هذا الفن؛ لأنه إذا عرف معنى اللفظ فقد علم بالضرورة أنه إذا أريد ذلك المعنى أتى باللفظ الدال عليه بالخصوص، وهذا حاصل الزيادة على أصل المراد، فقد لزم على هذا اتحاد مقصد النحوى والبيانى، ولو اختلف التعبير والجواب أن المعنى أنه إذا أريد معنى اللفظ لغرض من الأغراض، إما كون مدلول ذلك اللفظ لا يناسب المقام غيره، فيكون الغرض ذاتيا؛ لأنه الأصل، ولا مقتضى للعدول عنه، وإما كونه ينشأ عنه معنى آخر يناسب المقام كالإنباء بالقرب فى اسم الإشارة مثلا عن المحبة؛ لأن المحبوب قريب أتى بذلك اللفظ، وعلى هذا يكون ما سيأتى تفصيلا للغرض الناشئ، ومثل هذا المذكور فى اسم الإشارة يقال فيما كان بيان سر استعماله مثل هذا البيان، كما تقدم فى العلم والضمير، وسيأتى فى غيرهما فليتأمل.