تنكير المسند إليه وأغراض ذلك
  استعماله لمطلق التقليل عند المصنف قوله تعالى ({وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ})(١) أى: مما ذكر قبل من الجنة ونعيمها، وقيل إن التنكير فى الرضوان للتعظيم وهو مبتدأ حذف خبره وأكبر، وصفه أى: ولهم رضوان عظيم من الله تعالى أكبر من كل ذلك زيادة على تلك النعم قيل إنه المناسب؛ لأن المقام مقام الامتنان بنعم الوعد فالمناسب التعظيم، وعلى الأول فالقلة فى الرضوان تقديرية باعتبار المتعلق الذى هو حقيقة فيه، فإن أول متعلقاته، وأقلها الخلود فى السلامة من العذاب، وإنما كان الرضوان ولو قل متعلقه أكبر من مجرد دخول الجنة ونعيمها؛ لأن المراد الإعلام بالرضوان وهو مع أدنى متعلقاته أكبر من مجرد نعيم الجنة دون سماع الرضا؛ لأن لذة النفس بشرف كونها مرضية عند الملك العظيم أكبر من كل لذة، ولو كان ذلك قليل المتعلق فافهم.
  والفرق بين التعظيم والتكثير ظاهر؛ لأن التعظيم راجع إلى رفعة الشأن، وعزة القدر، والكثرة راجعة إلى الكميات فى المقادير والأعداد، وكذا الفرق بين مقابليهما، وهما التحقير والتقليل، فالأول يرجع إلى الامتهان ودناءة القدر، والثانى إلى قلة الأفراد والأجزاء إما حقيقة كما فى قولنا: فلان رب غنيمة، وإما تقديرا كما فى قولنا: قد يكون لفلان رضوان عن أهل عداوته، وإنما فرقنا بينهما؛ لأن بعض الناس توهم اتحاد التعظيم والتكثير والتحقير والتقليل، وليس كذلك. نعم قد يستلزم أحدهما صاحبه، وقد أشار المصنف إلى أن بين التعظيم والتكثير فرقا بقوله: (وقد جاء) أى: التنكير (للتعظيم والتكثير نحو) قوله تعالى ({وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}(٢)) فتنكير رسل هنا يناسب التكثير (أى ذوو عدد كثير)، فأفاد كثرة عدد الرسل، ويناسب التعظيم أيضا أى (و) ذوو (آيات عظام) فإن عظم آية الرسالة مما يدل على عظمة شأن الرسول فى رسالته، فالأول ينظر إلى التكثير والثانى ينظر إلى التعظيم، والغرض تسلية النبى ﷺ فى عدم إيمان الكفرة، وأمره بالتأسي بمن قبله فى عدم المبالاة بهم والأسف عليهم، ولا يقتضى هذا كون من قبله أعظم منه، ولا أن الآية لمن قبله أعظم
(١) التوبة: ٧٢.
(٢) فاطر: ٤.