تنكير المسند إليه وأغراض ذلك
  لهم أصلا وقيل إن التنوين فى الآية الكريمة للتعظيم أى: وعلى أبصارهم غشاوة عظيمة، وهو أنسب لما فيه من بيان بعد حالهم عن الإيمان دون النوعية وقيل إن التعظيم هو النوعية - أيضا - لأن الغشاوة العظيمة نوع من الغشاوة، وفيه شيء؛ لأن المراد بالنوعية ما يقابل الجنسية أو الفردية والتعظيم يقابل التحقير فهو من حيث هو مخالف للنوعية، ولو صح اعتبار مطلق النوعية به بالنظر لما يفيده من الخصوصية، ويدل على أن المعتبر فى التعظيم الوصفية دون النوعية أنه كما يصح وجوده مع النوعية يصح وجوده مع الفرد فالإشعار بأحدهما خلاف الإشعار بالآخر نعم إن أراد أن التنوين يفهمهما معا مع اختلافهما لا أن إفادة أحدهما نفس إفادة الآخر فغير بعيد (أو التعظيم أو التحقير) أى: ينكر المسند إليه لإفادة تعظيم معناه أو تحقيره لمناسبة المقام ذلك (كقوله):
  فتى لا يبالى المدلجون بنوره ... إلى بابه أن لا تضيء الكواكب
  (له حاجب فى كل أمر يشينه ... وليس له عن طالب العرف حاجب(١))
  فالتنكير فى حاجب الأول للتعظيم، وفى الثانى للتحقير؛ لأن مقام المدح يقتضى أن الحاجب أى: المانع عن كل ما يشين أى: يعيب الممدوح عظيم والحاجب عن المعروف والإحسان ينسلب حقيره فمن باب أحرى عظيمه، وذلك لما فى معنى التنكير من الإيماء إلى أن هذا الأمر لا يعرف لبلوغه الدرجة العليا فى الرفعة أو فى الدقة فمن شأنه أن ينكر، ولا يعرف لكونه لا يدرك (أو التكثير) أى: وينكر المسند إليه للتكثير (كقولهم إن له لإبلا وإن له لغنما) فإن مقامات هذا الكلام تقتضى أن المراد إبلا كثيرة وغنما كذلك، وإنما أفاد التكثير مع أن الأصل فى النكرة الإفراد؛ لأن التنكير يشعر بأن هذا أمر ينكر لعدم الإحاطة به لكثرته كما تقدم فى بيان التعظيم، ومن هذا المعنى يفيد التقليل لما فى معنى التنكير من الإيماء إلى أنه بلغ هذا الأمر إلى حيث لا تدرك قلته، لانتهائها وخروجها عن القلة عادة فمن شأنه أن ينكر (أو التقليل نحو) يعنى ومن
(١) انظر شرح المرشدى على عقود الجمان ١/ ٦٦، معاهد التنصيص ١/ ١٢٧.