تقديم المسند إليه وأغراض ذلك
  فى التعقل، لأن تعقل الذات من حيث هى لا يجب سبقه على تعقل الوصف من حيث هو فلا يوجب ذلك تقدم أحدهما على الآخر والتعقل من حيث الحكم هما فيه سواء؛ لأن النسبة الحكمية تتوقف عليهما معا فلا يوجب ذلك تقديم أحدهما على الآخر، وإذا كان الأصل تقديم المسند إليه على المسند لينبه بالتقديم الذكرى على التقديم المعنوى، فالمحافظة على ما يوافق الأصل تقتضى أهمية الذكر، ولكن الجرى على الأصل إنما هو عند انتفاء سبب العدول؛ لأن معنى الأصالة هنا كون الشيء متمسكا به عند انتفاء جميع العوارض كما تقدم، ولهذا قال (ولا مقتضى للعدول عنه) أى: عن ذلك الأصل الذى هو التقديم كأن يكون المسند إليه مبتدأ كقولنا: زيد قائم، وأما لو كان المسند إليه فاعلا لوجب تأخيره عن الفعل أو ما يجرى مجراه لوجوب تقديم العامل عن المعمول، وكذا إذا استوجب المسند التقديم لكونه له الصدر كأين زيد، وكيف عمرو فإن قلت أما كون المسند استفهاما، فقد يتجه كونه مقتضيا للعدول؛ لأن الغرض مما فيه الاستفهام نفس المستفهم عنه فما دل عليه فهو بالتقدم أحق، وأما كونه فعلا فتعليل اقتضائه العدول بكونه عاملا تعليل باعتبار اصطلاحى لا سليقى، فإن العرب لا يدركون أن موجب تقديم الفعل على الفاعل كونه عاملا، والتعليل فى هذا الباب يجب أن يكون مما يعتبره البلغاء بالسليقة فإن غيرهم لا يعتبر شيئا إلا بالتبع لهم فكيف يصح جعله علة للعدول عن التقديم؟ قلت: الأمر كذلك لكن قولهم يتقدم لكونه عاملا رمز وإشارة إلى أن العرب استعملوه كذلك ونزلوه منزلة تقديم العامل الحسى على المعمول فى وجوب تقدمه عليه، وأنهم اعتبروه كالسبب فى إيجاد ما بعده لم يرتكب إلا لأجل الفعل المقصود تسليطه عليه ونسبته له، ولهذا يقال الإخبار فى الجملة الفعلية الأهم فيه الفعل وما بعده لم يؤت به إلا لسببه فصار السبب الذكرى عندهم كالسبب الحسى تأمل.
  (وإما ليتمكن الخبر فى ذهن السامع) أى تتحقق أهمية تقديم المسند إليه؛ لأن فى ذلك التقديم ما يوجب تمكن الخبر فى ذهن السامع لاشتمال المسند إليه على تطويل ما بحيث يوجب التشوق إلى الخبر، والحاصل بعد الشوق ألذ وأمكن فى النفس وهذا