مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

موافقة السكاكي لرأى عبد القاهر

صفحة 255 - الجزء 1

  جاز) تقدير التأخير على أنه فاعل معنى (كما مر) فى نحو: أنا قمت (إلا أنه لم يقدر) ذلك التأخير (أو لم يجز) تقدير التأخير على أنه فاعل أصلا (نحو زيد قام) فإنه لا يجوز أن يقدر أن أصله قام زيد، وسنبين ذلك، ثم إن مقتضى هذا الكلام أن نحو رجل جاءنى لا يفيد التخصيص؛ لأن السبب عند السكاكى على هذا، هو تقدير التقديم عن الفاعلية المعنوية، ورجل فى رجل جاءنى لو قدر تأخيره جاء فاعلا لفظا مع أنه لا يسلم جواز تقدير تأخيره أصلا كما فى زيد قام، فحاول السكاكى حيث اقتضى الاستعمال عنده كون المنكر مفيدا للتخصيص إلا لمانع واقتضى التعليل كونه لغير تخصيص جعله منخرطا فى سلك الفاعل المعنوى بتمحل، وإلى هذا أشار المصنف بقوله (واستثنى المنكر) أى: أخرج المبتدأ النكرة الذى أسند إليه الفعل عن حكم ما لو أخر كان فاعلا لفظا؛ لأن الحكم فيه وجوب تحقق التقوى فقط، والحكم فى المنكر وجوب تحقق التخصيص بالتقديم (ف) لذلك (جعله) أى: المنكر المسند إليه فعل (من باب) ما يعرب مؤخرا على أنه فاعل معنى فقط لا لفظا أيضا ليتحقق الفرق بينه وبين ما يفيد التقوى، وذلك كقوله تعالى ({وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا})⁣(⁣١) فإن فيه أعاريب فقيل الذين ظلموا مبتدأ، وأسروا النجوى خبر، وقيل فاعل أسروا، والواو علامة الجمعية، فالذين ظلموا على هذا فاعل لفظا، وقيل بدل من الضمير موضحا له، فيكون على هذا القول فاعلا معنى لا لفظا، وعلى إعراب هذا القول الأخير يقع إلحاق المنكر به على أنه فاعل معنى فقط، وهذا معنى قوله أى: على القول (بالإبدال) أى: إبدال الذين ظلموا (من الضمير) فى وأسروا وإنما جعل المبتدأ النكرة الذى أسند إليه فعل من باب وأسروا النجوى الذين ظلموا على القول بإبدال الذين ظلموا من الضمير (لئلا ينتفى التخصيص) عن الكلام الذى ابتدئ فيه بالنكرة مخبرا عنها بفعل؛ لأنه لو لم يكن كذلك انتفى عنه التخصيص (إذ لا سبب له) أى: للتخصيص (سواه) أى: سوى تقدير التقديم عن تأخير كان فيه فاعلا معنى لا لفظا، لكن التخصيص لا بد منه فتجب مراعاة موجبه الذى هو تقدير التقديم المذكور؛ لأنه لا وجه للابتداء بالنكرة فى نحو ذلك


(١) الأنبياء: ٣.