موافقة السكاكي لرأى عبد القاهر
  وهو كون المهملة فى قوة السلب عن كل فرد مخالفا لما تقرر من أن المهملة تحتمل الحكم على الجميع، أو على البعض بين ما رجعت به إلى كونها كلية وإن تسميتها مهملة تجوز باعتبار عدم وجود السور الذى هو لفظ كل مثلا بقوله (لورود موضوعها) أى: إنما أفادت حكما كليا لورود الموضوع الكلى فيها (فى سياق النفى) والنكرة فى سياق النفى تعم، وبهذا يعلم أنها سالبة كلية؛ لأنا لا نعنى بالسور إلا ما يفيد العموم سواء كان تقديما أو تأخرا أو غير ذلك وإن تسميتها مهملة تجوز، ولكن يجب تقييد النكرة المفيدة فى سياق النفى للعموم بغير كل مضافة إلى النكرة كقولنا لم يقم إنسان وأما إن كانت كل مضافة إلى النكرة كقولنا لم يقم كل إنسان كانت لسلب العموم وإذا كانت المهملة السالبة التى هى قولنا مثلا لم يقم إنسان مفيدة للنفى عن كل فرد بدون لفظ كل فعند ورود لفظ كل يجب أن يكون الكلام لنفى العموم، ونفى الشمول، فيكون للنفى عن الجملة إذ لو كان للنفى عن كل فرد كانت لفظة كل لتأكيد معنى حصل قبل ورودها، فيكون تأكيدا لما تقرر بخلاف ما إذا كان الكلام مع كل للنفى عن الجملة دون كل فرد، فهو لإفادة معنى لم يحصل، فيكون تأسيسا وهو أرجح، والحاصل أن المهملة عند تقديم الموضوع الكلى عن النفى إنما فيها السلب عن الجملة وعند تأخيره إنما فيها السلب عن كل فرد، وعند ورود لفظ كل فيهما يجب أن يجدد فى كل من التقديم والتأخير معنى الآخر قبل ورود كل، وإلا كانت فيهما تأكيدا لما حصل، فيلزم ترجيح التأكيد على التأسيس فيهما وإنما عدل عند قصد التأسيس فيما فيه عموم النفى إلى نفى العموم، وفيما فيه نفى العموم إلى عموم النفى؛ لأن النفى مع كل لا يخلو من أحدهما فعند انتفاء أحدهما يلزم ثبوت الآخر، وذلك؛ لأن النفى إن اعتبر مسلطا على مفاد كل كان الكلام لسلب العموم، وإن اعتبر كل مسلطا على السلب كان لعموم السلب، والقيدان لا بد من تسليط أحدهما على الآخر لوجودهما فى حكم واحد (وفيه نظر) أى: وفيما ذهب إليه هذا القائل من توجيه إفادة تقديم كل، وتأخيره لأحد المعنيين نظر، وبه يعلم أن المصنف لم يعترض الحكم وإنما اعترض التعليل على ما سيظهر فى كلامه ووجه النظر أنا بعد تسليم أن المهملة الموجبة المعدولة كقولنا إنسان لم يقم تفيد النفى عن الجملة، والسالبة المهملة كقولنا لم يقم إنسان تفيد النفى