مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

موافقة السكاكي لرأى عبد القاهر

صفحة 275 - الجزء 1

  السلب لم يطابق ما فى نفس الأمر، وهذا الإشكال لا يرد على مذهب من يجوز الخلف فى القول الذى ليس من باب إبلاغ الوحى، وهو مذهب غير مرضى، وأما على مذهب من لا يجوز الخلف فى القول، ولو سهوا، فقد أجيب بأن النسيان المنفى بهذه الكلية هو النسيان الذى نفاه عن نفسه فى غير هذا الموطن، حيث قال «إنى لا أنسى ولكن أنسى لأسن»⁣(⁣١) أى: ليس من طبعى النسيان كما كان من طبع من لا يتحافظ بشغل الفكر بأمور الدنيا، ولكن أنسى بشغل الفكر بالله تعالى؛ لأسن فالكلام حينئذ صدق، والنسيان المنفى هو الذى دل عليه ظاهر كلام السائل، وهو النسيان المعتاد الحاصل بشغل القلب بأمور الدنيا، أو المنفى لفظ النسيان تأدبا، والمثبت بقوله أحق ما يقول السائل هو الممكن ثبوته الذى لا ينافيه كلام السائل، وهو النسيان الطبيعى المعتاد أو المنفى لفظ النسيان تأدبا، فكأنه على هذا يقول لم يقع منى ما هو ظاهر لفظك من النسيان الطبيعى الدنيوى، أو من لفظ النسيان المنافى للأدب وقوله أحق ما يقول ذو اليدين رجوع للحقيقة، وهو وجود مطلق النسيان الذى يكون بالتنسية الصحيحة فى حقه أو رجوع إلى المعنى وترك سوء الأدب اللفظى المنهى عنه ليترتب على المعنى ما شرع فيه، ونسب المرجوع إليه إلى ذى اليدين؛ لأن لفظه، ولو نهى عن ظاهره يقبل حمله على المراد بأن يكون التقدير، أم نسيت بالتنسية، فيكون قوله كل ذلك لم يقع زجرا عن الظاهر، وقوله أحق ما يقول رجوع للمعنى الممكن وجوده فى النفس الأمر الذى لا ينافيه كلام السائل كل المنافاة بحسب الباطن، والتأويل فتأمله.

  وأجيب أيضا بأن نفى النسيان باعتبار الاعتقاد أى: فى ظنى لا نسيان، ولا قصر فطابق الظن فى القصر دون النسيان، وهذا ولو نفى الخلف فى القول، ولكن


(١) ذكره مالك فى «الموطأ» (١/ ١٢١ - تنوير الحوالك) بلاغا، وقال ابن عبد البر: «لا أعلم هذا الحديث روى عن النبي مسندا ولا مقطوعا من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى فى الموطأ التى لا توجد فى غيره مسندة ولا مرسلة، ومعناه صحيح».