تقييد الفعل بالشرط إن وإذا ولو:
  من المجزوم، ولكن ظاهر العبارة يأبى هذا. (وغلب لفظ الماضى مع إذا) يعنى ولما كان أصل إذا الجزم بالوقوع، كان الغالب فى الفعل المستعمل معها أن يكون بلفظ الماضى؛ لإشعار المضى بتحقق الوقوع الذى يناسب مفاد إذا، فناسب استعمال الماضى معها، ولو كانت تخلصه للاستقبال لأنها لتعليق شيء بشيء يحصل فى الاستقبال - كما تقدم - فقوله: غلب عطف على كان، والإشارة بذلك إلى الحكمين السابقين، وهما: الجزم فى إذا وعدمه فى إن، فرتب عليهما ما يناسب كلا منهما على التوزيع، ثم مثل بغاية مشتملة على الأمرين فقال (نحو) قوله تعالى {فَإِذا جاءَتْهُمُ}(١) أى: المبعوث إليهم موسى (الحسنة) مثل الخصب، والرخاء، ونمو الأموال، وكثرة الأولاد، وغير ذلك (قالوا لنا هذه) أى هذه مختصة بنا لأنا أحقاء بها من كمال سعادتنا فى ديننا، وبركة مجدنا لا من بركة وجود موسى ودينه (وإن تصبهم سيئة) من جدب وبلاء (يطيروا) أى: يتشاءموا (بموسى ومن معه) ممن آمن به بقولهم من عدم سعادته، ودينه، ومن معه، وانتفاء بركة دينه أصبنا بهذا، هذا قولهم ولم يفهموا أن الأمر بخلافه وأن السيئة من شؤم عصيانهم، والحسنة من رحمة الله الواسعة، فقد جيء بلفظ المضى مع إذا فى جانب الحسنة المحققة الوقوع، وإنما قلنا محققة الوقوع (لأن المراد) بها (الحسنة المطلقة) عن التقييد بنوع معين. (ولهذا) أى: ولأجل أن المراد المطلقة لا المقيدة بنوع (عرفت) تلك الحسنة (تعريف الجنس) أى: تعريف الحقيقة المقررة فى الأذهان ومجيئها لا من حيث هى؛ لعدم صحة وجودها فى الخارج كذلك، بل مجيئها فى ضمن أى فرد لأى نوع، ووقوع الجنس الذى هو الحقيقة فى ضمن أى فرد من أى نوع كالواجب فيتحقق، وذلك لاتساعه وكثرة أفراده وأنواعه، بخلاف ما لو لم يرد الجنس بأن يراد نوع معين، فلا يكون بصدد تحقق الوقوع لقلته. وقولنا: المتقررة فى الأذهان؛ للإشارة إلى أن من قال أل فى الحسنة لتعريف العهد، أراد عهدية الجنس فى الأذهان فى ضمن أى فرد ما لا العهد الخارجى، وإلا لم تكن الحسنة مطلقة، وجيء فى جانب السيئة مع إن بلفظ المضارع المشعر بعدم تحقق الوقوع المناسب لها، وعبر بإن مع السيئة دون الحسنة؛ لأن
(١) الأعراف: ١٣١.