استطراد إلى التغليب
  القانتين للتبعيض، إشعارا بأن لها ما للقانتين من صلاح الدين وصلاح التقوى، وليست للابتداء على أن المعنى وكانت ناشئة من أصول قانتين؛ لأنها من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب ومن ذرية هارون أخى موسى، فيكون الكلام خلوا عن التغليب، وذلك لأن الغرض وصفها بالصلاح لا وصفها بالنشأة من أهل الصلاح، فإذا كانت من للتبعيض لزم أن المراد بالقانتين القانتات؛ لأنها بعضهن لا بعض القانتين، ولكن لما اشترك المذكر والمؤنث فى صحة الوصف بالقنوت غلب جانبه على جانبها، فاستعملت صيغته المختصة به فى مكان صيغتها، فالتغليب هنا أوجب استعمال الصيغة مكان أخرى مع الاشتراك فى مادة اللفظ والمعنى خلاف ما يأتى فى أبوين ونحوه، فإنه أوجب استعمال اللفظ المختص بالمغلب مع اشتمال المراد على المعنى المغلب لفظه من غير اشتراك فى مادة اللفظ ولا فى أصل المعنى، فالتسوية بينهما خطأ - كما لا يخفى. (و) ك (قوله تعالى {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ})(١) فتجهلون وصف لقوم محتمل لضميره، وقوم اسم ظاهر، وهو من باب الغيبة، فكان الأصل فى وصفه أن يؤتى بالفعل مبدوء بالياء الدالة على الغيبة، لكن لصحبته لأنتم - وكونه صادقا عليه وهو معناه ومصدوقه وهو من باب الخطاب - غلب جانب ذلك المعنى المقتضى لمراعاة الخطاب فى الفعل، فقيل: تجهلون بالتاء الدالة على الخطاب، فقد غلب جانب الخطاب على الغيبة، فأعطى وصف صاحبها حكم الخطاب (ومنه) أى: ومما وقع فيه التغليب (أبوان) للأب والأم (ونحوه) كالعمرين لأبى بكر وعمر، والقمرين للشمس والقمر، والحسنين للحسن والحسين مما غلب فيه أحد المتشاكلين أو المتصاحبين على الآخر، فقد استعمل لفظ المغلب فى الآخر، ثم ثنى واستعمل فيهما مجازا، القاعدة فى ذلك تغليب الأخف إلا أن يكون الآخر مذكرا فيغلب على المؤنث، كالقمر فإن الشمس أخف لتسكين الوسط فيها، ولكن غلب القمر لعدم تأنيثه وهذه التثنية فى التغليب ظاهرة إن بنى على عدم اشتراط التساوى فى المعنى بل فى اللفظ، كما يقال فى عين الميزان وعين الشمس: عينان، وأما إن بنى على الاشتراط فيجب التأويل فى ذلك بالمسميين بهذا الاسم، ولو كانت إحدى
(١) النمل: ٥٥.