مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تقديم المسند وأغراض ذلك

صفحة 369 - الجزء 1

  أنا قلت هذا، فلا يتحقق فرق بينه وبين أنا ما قلت، هذا وقد تقدم أن الحق وجود الفرق بينهما، وقد يجاب بأن الظرف يتوسع فيه أكثر من غيره، فلا يضر الفصل به، أو أن الاستعمال جاز بالفرق بين نحو: ما أنا قلت هذا، مع أنا ما قلت هذا، بخلاف لا فيها زيد، وفيها لا زيد، نعم الاعتبار السابق يناسب هنا - أيضا - بإن يقرر النفى كأنه لقول القائل - مثلا - فى خمور الجنة غول، فقيل: لا فيها غول، أى: ليس الغول فيها، مع أنه كائن فى غيرها، على حد ما أنا قلت هذا، أى: لم أقله، مع أنه مقول، ويكون هذا المعنى مطابقا لما تقدم من أن الغرض إفادة النفى المقصور، لا إفادة نفى القصر، ثم إن فى الكلام بحثا من وجهين أحدهما: أنا لا نسلم أن تقديم الظرف لإفادة القصر هنا؛ لأن إفادة القصر فى نحوه مقيد بأن يصح الابتداء بدون التقديم - على ما يأتى - والنفى حيث جعل للعدول فى المحمول لا يسوغ الابتداء بالنكرة، والجواب أن التنوين فى غول للتنويع؛ فيفيد صحة الابتداء، ويرد التقديم حينئذ للحصر، وإن جعل فى جانب المسند إليه فهو فى تأويل المضاف، فيفيد أيضا، وأما الجواب بأن المسند إليه مصدر يصح الابتداء به، فمردود بأن المصدر الذى يصح به الابتداء مخصوص بالدال على الدعاء كسلام على آل فلان، أو التعجب. وثانيهما: أن القصر فيما إذا جعل الكلام من باب العدول، إما أن يكون قصر أفراد، أو قصر قلب وفى معناه قصر التعيين، فإذا جعل قصر أفراد، والفرض أنه من قصر الموصوف على الصفة، وجعل السلب من جانب الموضوع، كان المعنى كما تقدم أن عدم الغول مقصور على الاتصاف بكونه فى خمور الجنة لا يتعداه إلى الاتصاف بكونه فى خمور الدنيا -. كما عليه المخاطب - فيكون كلاما مع من اعتقد أن نفى الغول كان فى خمور الجنة، إلا أنه يعتقد مشاركة خمور الدنيا لها فى عدم الغول، ولا يخفى - كما تقدم - أن الظاهر أنه كلام مع من يعتقد الغول فى الخمرين، لا مع من يعتقد نفيه فيهما، ولو لزم من نفيه عن إحداهما دون الآخر نفى ثبوته لهما معا - كما يعتقد المخاطب - لكن الدلالة على ذلك لزومية خفية فلا ترتكب؛ لأن المتبادر من العبارة أن القصد خلافها، وإذا جعل قصر قلب كان المعنى أن نفى الغول مقصور على وصفه بكونه فى خمور الجنة فقط، لا يتعدى ذلك إلى