تقديم المسند وأغراض ذلك
  بعدم الغول سميناه قصر الصفة، فلا اعتراض عليه، إذ لا يخالف ما يقوله الغير ولا مشاحة فى التعبير، نعم إن أراد هذا القائل أن نفى الحصول فى خمور الجنة وصف مقصور على الغول لا يتعداه إلى أن يكون وصفا للصحة والراحة - مثلا - كان من قصر المسند على المسند إليه، ولكن لا يخفى ما فيه من التعسف؛ لأن الظاهر - كما لا يخفى - أن الكلام مع من يعتقد أن الغول فى خمور الجنة كخمور الدنيا، لا مع من يعتقد أن الاتصاف بعدم الحصول فى خمور الجنة محقق للغول ولغيره من الراحة مثلا أيضا أو لغيره فقط، وأما من قال: إنه من قصر الموصوف على الصفة، فيقول: - كما تقدم - إن المعنى أن عدم الغول مقصور على الاتصاف بكونه فى خمور الجنة فلا يتعداه إلى الاتصاف بكونه فى خمور الدنيا، هذا إذا اعتبرنا القضية معدولة الموضوع وقررنا أن حرف النفى في جانب المسند إليه، ومعناه هو المحكوم عليه، وإن قررنا حرف السلب فى جانب المحمول ومعناه هو المحكوم به لتكون القضية معدولة المحمول، كان المعنى إن الغول مقصور على عدم الكون فى خمور الجنة لا يتعداه إلى عدم الكون فى خمور الدنيا؛ لتحقق كونه فيها، وارتكب هذا العدول فى القضية، ولم تجعل سالبة محضة لئلا يرد أن النفى ورد على تقديم يفيد القصر، فيتسلط على نفى ذلك القيد، على قاعدة أن النفى إذا ورد فى كلام فيه قيد أفاد نفى القيد، فعلى هذا يفيد النفى نفى القصر المفاد بقيد التقديم لا ثبوته، ولكن هذا يرد بأن النفى قد يتوجه إلى أصل الثبوت مع عود القيد إلى النفى - كما تقدم - وذلك كما فى قوله تعالى: {وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}(١) فالنفى لأصل الظلم مقيدا ذلك النفى بالمبالغة فى تحققه، وليس النفى متسلطا على المبالغة فى الظلم، وكما فى قوله تعالى - أيضا - {وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}(٢) فهو لتأكيد نفى ثبوت الإيمان لا لنفى تأكيد الثبوت الذى كان أصلا فى الجملة الاسمية، فعلى هذا يصح أن لا يعتبر العدول، ويفيد الكلام النفى المقيد بالقصر لا نفى القصر، واعترض اعتبار العدول فى الموضوع مع انفصال حرف السلب بأنه لو جاز لجاز أن يكون جزأ من المسند فى ما
(١) فصلت: ٤٦.
(٢) البقرة: ٨.