مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تقديم المسند وأغراض ذلك

صفحة 371 - الجزء 1

  بناء على أن التقديم يفيد التخصيص أن القرآن يختص بعدم الريب، وتحقق اختصاص الشيء بوصف إنما يعتبر بالنسبة إلى ما تتوهم مشاركته فيه، والكتب السماوية هى التى تتوهم فيها مشاركة القرآن فى أوصافه، فإذا خص القرآن بوصف وهو - هنا على هذا التقدير - عدم الريب؛ لزم ثبوت ضد هذا العدم وهو الريب فى سائر الكتب السماوية، وهو باطل؛ ولذلك لم يقدم الظرف؛ لئلا يقتضى بناء على الغالب ذلك، ولأجل ما قلناه: من أن التخصيص إنما هو باعتبار النظير الذى تتوهم فيه المشاركة، قلنا فى مفاد لا فيها غول: إن عدم الغول مخصوص بخمور الجنة دون خمور الدنيا، فإنه فيها، ولم نقل دون سائر المشروبات وغيرها من المطعومات. (أو التنبيه) هو معطوف على تخصيصه أى: تقديم المسند يكون للتخصيص وللتنبيه (من أول الأمر) أى: أول زمان إيراد الكلام (على أنه) أى: المسند (خبر لا نعت) وإنما وقع التفريق بين الخبر والنعت بالتقديم، لما علم من أن النعت لا يتقدم على المنعوت بخلاف الخبر مع المبتدأ. وإنما قال: من أول الأمر؛ لأنه قد يعلم أنه خبر ولو مع التأخر بعد التأمل والنظر إلى أنه لم يرد خبر بعده فيفهم أن غرض المتكلم به الإخبار لا النعت، فالنكتة فى التقديم إفهام الخبرية أولا، وذلك عند اقتضاء المقام تعجيل المراد من الكلام لأجل خوف فوات الفرصة - مثلا، أو لطلب تحققه؛ فرارا من الذهول للاعتناء بالمدح والتعظيم. (كقوله) أى: قول مولانا حسان - رضى الله تعالى عنه - فى مدح نبينا ومولانا محمد - :

  له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر⁣(⁣١).

  الهمة هى: الإرادة المتعلقة على وجه العزم بمراد ما، ويمدح بتلك الإرادة إن تعلقت بمعالى الأمور، فالمادح يقول: إن الكبار من هممه تتعلق بمعال لا يحاط بها تصورا ولا إدراكا، والصغرى منها أجل باعتبار متعلقها من الدهر الذى كانت العرب تضرب بهممه المثل؛ لأنه لوقوع العظائم فيه كأن له همما تتعلق بتلك العظائم، فالصغرى أجل من الدهر نفسه فضلا عن هممه، فلم يقل همم له لئلا


(١) البيت في الإيضاح ص ١٠٧ تحقيق د / عبد الحميد هنداوي، وأورده محمد بن على الجرجاني في الإشارات ص ٧٨ وقيل إنه لحسان بن ثابت، والصحيح أنه لبكر بن النطاح في مدح أبى دلف.