مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تقديم المسند وأغراض ذلك

صفحة 372 - الجزء 1

  يتوهم أن المجرور نعت فينتظر الخبر فيفوت الغرض من تمكين مدحه وتعظيمه فى القلوب بأن له همما موصوفة؛ لأن انتظار الخبر ربما يخل بامتلاء القلب من أول وهلة بتعظيم الممدوح، وذلك الامتلاء الأولى مقصود للمادح؛ لأنه أنسب بمقام الممدوح من غيره، وهذا المعنى مثل له بالخبر المنكر مع أن هذا التوهم موجود فى الخبر المعرف كقولك: زيد القائم، لكن حاجة النكرة إلى النعت آكد من حاجة المعرفة إليه، فلم يعتبر فيها ذلك التوهم. (أو التفاؤل) أى: يكون التقديم للتفاؤل الذى هو أن يسمع من أول وهلة ما يسر كقوله.

  سعدت بغرة وجهك الأيام⁣(⁣١)

  ولا يقال هذا فعل يجب تقديمه على فاعله، فليس التقديم للتفاؤل؛ لأنه يجوز تأخيره فى تركيب آخر، بأن يقال: الأيام سعدت، فالتقديم فى هذا التركيب المؤدى إلى كون المسند إليه فاعلا عدل يسير عما يصح من العكس لما ذكر من التفاؤل، وهو ظاهر.

  (أو التشويق) أى: يكون تقديم المسند لتشويق السامعين إلى ذكر المسند إليه، ووجود التشويق في المسند يكون بسبب اشتماله على طول بذكر وصف، أو أوصاف تشوق إلى صاحب ذلك الوصف، أو الأوصاف. والغرض من التشويق أن يكون المشوق إليه يقع فى النفوس، ويكون له فيها محل من قبوله، وتمكنه؛ وذلك لأن الحاصل بعد الطلب أعز وأمكن من المنساق بلا تعب، وإنما يرتكب ذلك إذا كان مناسبا للمقام، كما إذا كان الكلام فى ممدوح أريد تأكيد مدحه وغزارته وتعظيمه بأن لا يزول عن الخواطر هو وأوصافه اللازمة فيشوق إليه بالتقديم.

  (كقوله:

  ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحق والقمر)⁣(⁣٢).


(١) صدر بيت بلا نسبة في شرح عقود الجمان ١٢٤، وعجزه: وتزينت ببقائك الأعوام

(٢) البيت لمحمد بن وهيب في مدح المعتصم، وأورده محمد بن على الجرجاني في الإشارات ص: ٧٩، وفي الأغاني ١٩/ ٧٩، ٨١، وبلا نسبة في تاج العروس (شرق).