مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

حال الفعل مع المفعول والفاعل

صفحة 386 - الجزء 1

  به النفس، وقد يجاب عن هذا بأنه مذكور على التنازع، فإن أعملنا فيه فعل الشرط فظاهر، وإن أعملنا الثانى وقدرنا للأول ضمير المتنازع فيه كفى؛ لأن المقدر كالمذكور مع أن النفس تأنست بذكر العامل فيه، فعلى هذا يتجه ما قيل، وقائله صدر الأفاضل فى كتابه المسمى «بضرام السقط» أن هذا الكلام مما ذكر فيه المفعول؛ لغرابة تعلق المشيئة به فلذلك قال: (فلو شئت أن أبكى بكيت تفكرا) ولم يقل فلو شئت بكيت تفكرا؛ لأن تعلق فعل المشيئة ببكاء التفكر غريب، وحينئذ يتوجه الوجه الثانى وإليه أشار بقوله: وإنما لم يكن من هذا القبيل أى: مما تعلق به فعل المشيئة بغريب (لأن المراد بالبكاء الأول) وهو متعلق المشيئة (البكاء الحقيقى) وهو بكاء الدمع لا البكاء التفكرى، وإنما قلنا كذلك؛ لأن الشاعر أراد أن يبين أنه أفناه من طول الاشتياق النحول فلم يبق فيه غير خواطر تجول حتى لو شاء البكاء فمرى جفونه بمعنى: عصر عينه طلبا لسيلان الدمع، لم يجد ذلك الدمع، وإنما يخرج من عينه بدل ذلك الدمع المطلوب التفكر، فالبكاء الذى أراد إيقاع المشيئة عليه بكاء مطلقا مبهم لفظا؛ حيث لم يتعين بالإضافة، ولذلك تعين بأن ينصرف عند الإطلاق لبكاء الدمع، ولم يرد البكاء المعدى للتفكر قطعا، والبكاء الثانى هو البكاء المعدى للتفكر.

  ولما كان البكاء الأول غير الثانى لم يصلح الثانى تفسيرا له؛ لأنا ولو قلنا إنه يحذف إذا لم يكن غريبا نشترط فيه مع ذلك أن يكون الجواب مبينا له بأن يكون معناه، وإلا لم يصلح للحذف؛ لأن المبين فى هذا الباب كما تقدم وهو الدليل على الحذف، وإذا لم يصح أن يسند لكونه ليس نفسه لم يصح الحذف أصلا؛ لعدم الدليل كما فى قولك: ولو شئت أن أعطى شاة أعطيت درهمين، ولو حذف لم يفهم، إلا أن المراد: لو شئت أن أعطى در همين أعطيتهما.

  ويحقق أن المراد البكاء الحقيقى، أن الكلام فى تقدير إرادته أنسب بمقصود الشاعر، وهو المبالغة فى فنائه حتى لم تبق منه مادة سوى التفكر؛ لأنه يكون المعنى على هذا التقدير لو طلبت من نفسى بكاء لم أجده؛ بل أجد التفكر بدله.