مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فلم يبق منى الشوق غير تفكرى

صفحة 388 - الجزء 1

  على من زعم أنه للبيان بعد الإبهام، وإلا لقال الحذف للاختصار مثلا وبه يعلم أن هذا نشأ عن غفلة والله الموفق بمنه وكرمه.

  (وإما لدفع توهم إرادة غير المراد ابتداء) أى يكون حذف المفعول المقدر، إما للبيان بعد الإبهام وإما لدفع توهم المخاطب أن المتكلم أراد شيئا آخر غير مراد ابتداء، فقوله: إما لدفع معطوف على قوله إما للبيان، وقوله ابتداء يتعلق بتوهم أى: يحذف لدفع أن يتوهم فى الابتداء غير المراد ويحتمل أن يتعلق بدفع أى: يدفع فى الابتداء توهم غير المراد، وقيل التوهم أو الدفع بالابتداء؛ لأن توهم غير المراد ينتفى بعد تمام الكلام على ما يحققه المثال فلا يصح توهم بعد الابتداء حتى يدفع ثانيا، فلا يرد أن يقال المراد دفع توهم خلاف المراد مطلقا لا بقيد الابتداء وتقييده بالابتداء يوهم أن الواقع ثانيا لم يدفع؛ لأنه إنما يجب ذلك لو صح وجود التوهم ثانيا.

  (كقوله) أى: ومثال الحذف للدفع المذكور قوله⁣(⁣١) (وكم ذدت) أى: وكثيرا ما دفعت (عنى من تحامل) بيان لكم الخبرية (حادث) أى: كم دفعت من تعدى الحوادث الدهرية على (وسورة) أى: شدة (أيام) وهو عطف على تحامل، وهو كالتفسير له (حززن) فى محل النعت لأيام أى: من وصف الأيام أنهن حززن أى: قطعن (إلى العظم) ويحتمل أن يعود الضمير فى حززن إلى السورة؛ لأن لكل يوم سورة فهو فى معنى الجمع، ولذلك عبر بضمير الجمع، فقد حذف مفعول حززن، وهو اللحم، والأصل حززن اللحم إلى العظم لدفع توهم خلاف المراد.

  (إذ) أى: لأنه (لو ذكر اللحم) الذى هو المفعول فقال: حززن اللحم (لتوهم قبل ذكر ما بعده) وهو قوله إلى العظم أى: لو ذكره لتوهم أولا (أن الحز لم ينته إلى العظم) وإنما كان فى بعض اللحم، فحذف دفعا لهذا التوهم المحذور فى المقام؛ لأن الشاعر حريص على بيان كون ما دفعه الممدوح من سورة الأيام بلغ إلى العظم؛ لأبلغيته فى الشدة، بحيث لا يخالج قلب السامع خلاف ذلك أصلا، ولو فى الابتداء؛ لأن


(١) البيت للبحتري في الإيضاح ص ١١٢ بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى، وفي شرح المرشدي على عقود الجمان ص ١٢٨، وأورده محمد بن على الجرجانى في الإشارات ص ٨٢، والمخاطب في البيت أبو الصقر ممدوح البحترى.