مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الأمر

صفحة 500 - الجزء 1

  عليه، ولو كان فعليا أنه طلب فعل كسائر الأفعال، ولا يصدق عليه أنه طلب كف عن فعل آخر فهو النهى، فلا يخرج الأول، ولا يدخل الثانى، فصح التعريف، إذ كأنه قيل: طلب فعل من حيث إنه فعل وكف من ذلك ولا تدع الفعل نهى فهو طلب كف عن فعل آخر، أى: طلب كف عن الكف المتعلق بالفعل، والكف عن الكف يحصل بالفعل، فهو من حيث إنه كف عن فعل آخر لا يصدق عليه أنه طلب الفعل من حيث هو، ولكن على هذا لا يحتاج إلى زيادة قوله غير كف - كذا قيل - ولا يخفى ما فيه من التعسف، إذ يمكن أن يقال فى قولنا كف ولا تدع الفعل طلب كف، فيمكن أن يعتبر فيهما معا وحده، فيكون فعلا أو بالنظر إلى متعلقه فيكون كفا عن فعل - تأمله.

  ثم إن الأصوليين اختلفوا فى وضع صيغة الأمر، فقيل: وضعت للوجوب فقط، وهو مذهب الجمهور، وقيل: للندب فقط، وقيل: للقدر المشترك بينهما، وهو مجرد الطلب على وجه الاستعلاء، وقيل: هى مشتركة بينهما بأن وضعت لكل منهما استقلالا، وقيل: بالتوقف، أى: عدم الدراية، وهو شامل للتوقف فى كونها للوجوب فقط، أو للندب فقط، والتوقف فى كونها للقدر المشترك بينهما، أو مشتركة بينهما بمعنى أنا لا نعين شيئا مما ذكر، وقيل: هى مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة، وقيل: للقدر المشترك بين الثلاثة، أى: الإذن فى الفعل، ولما لم تفد الدلائل قطعا لشيء مما ذكر لم يجزم المصنف بشيء منها، ولكن أشار إلى ما هو الأظهر عنده لقوة أمارته فقال: (والأظهر) من تلك الأقوال (أن صيغته) أى: الأمر، والإضافة بيانية أى: الصيغة التى هى الأمر؛ لأن الكلام فى الصيغة - كما تقدم - لا فى الكلام النفسى؛ إذ لا يناسب هنا، ثم لما كان المراد بالصيغة هنا ما دل على طلب فعل غير كف استعلاء سواء كان ذلك الدال اسما أو فعلا أشار إلى بيان ذلك بقوله: (من) الصيغة (المقترنة باللام) فمن لبيان أنواع الصيغة (نحو ليضرب زيد) فهم من هذا أن الصيغة الدالة على طلب الضرب هى الفعل، واللام قرينة على إرادة الطلب به، ويحتمل أن يكون المجموع من اللام والفعل هو الدال (و) من (غيرها) أى: غير المقترنة باللام (نحو) قولك (أكرم عمرا) هذه الصيغة فعل محض وقولك (رويد بكرا) هذه اسم فعل أى: أمهل بكرا فرويد