مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الأمر

صفحة 499 - الجزء 1

الأمر

  (ومنها) أى: ومن أنواع الطلب (الأمر) وهو إذا أريد به هذا النوع من الكلام كما هنا يجمع بأوامر وهو حقيقة فيه، وإذا أريد به الفعل وهو مجاز فيه، يجمع بأمور، ومن إرادة الفعل به قوله تعالى: {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}⁣(⁣١) أى: فى الفعل الذى تعزم عليه، ويعرف مرادا به المعنى الأول بأنه: طلب فعل غير كف طلبا كائنا على جهة الاستعلاء، فخرج عن الطلب الخبر، وخرج بالفعل النهى بناء على أن المطلوب به ترك الفعل، وخرج بغير كف النهى - أيضا - بناء على أن المطلوب به فعل هو كف، فالنهى يخرج عن التعريف على كلا التقديرين، وخرج بقوله على جهة الاستعلاء الدعاء والالتماس؛ لأن الأول من الأدنى، والثانى من المساوى بخلاف الأمر فيشترط فيه طلب الآمر العلو، ومعنى طلب العلو: أن يعد نفسه عاليا بإظهار حالة العالى لكون كلامه على جهة الغلظة والقوة، لا على جهة التواضع والانخفاض، فسمى عرفا ميله فى كلامه إلى العلو طلبا له، سواء كان عاليا فى نفسه أو لا، وقلنا: فيشترط فيه الخ، ليخرج بذلك ما يصدق عليه أنه طلب على جهة الاستعلاء كالتمنى والعرض والاستفهام حيث يكون كل لطلب الفعل استعلاء؛ لأنه لا يشترط الاستعلاء فيها، وإنما يشترط فى الأمر، وأورد على هذا التعريف عدم تناوله لنحو كف ودع وذر ونحوه، فيفسد عكسه، ولكن هذا الإيراد بناء أن التعريف للأمر النفسى واللفظى معا، أو يراد به اللفظى فقط، وهو المناسب هنا؛ لأن الكلام فى الإنشاء لغة، وهو لفظى، وأما أن يريد به النفسى على ما عند الأصوليين فلا إيراد، لكن لا يحتاج إلى زيادة قوله غير كف؛ لأن الطلب النفسى للفعل هو الأمر اصطلاحا، ولو دل عليه لا تدع الفعل ونحوه، وطلب الترك نهى، ولو دل عليه كف، واترك ونحوه، وزيادة من زاد بناء على إرادة النفسى مدلول عليه بغير كف اصطلاح منه غير مسلم، نعم إن اعتبرت الحيثية فى الحد مطلقا لم يرد النقض على التعريف؛ لأن الكف له حيثيتان، إحداهما: حيثية كونه فعلا من جملة الأفعال المقدورة، والأخرى: حيثية كونه كفا عن فعل آخر، فإذا اعتبرت الحيثية الأولى فكف يصدق


(١) آل عمران: ١٥٩.