استعمال الأمر للتعجيز
  منه، ثم إن شرط فى المنذر أن يكون مرسلا، فالفرق بينه وبين التهديد واضح، وهو ظاهر قولهم الإنذار تخويف مع إبلاغ، وإن لم يشترط، وهو المتبادر؛ لأنه يقال لمن أعلم قوما بأن جيشا يصحبهم أنه أنذرهم، ولو لم يرسل بذلك، فالظاهر أن يقال فى الفرق تخويف المتكلم بما يكون من قبله تهديد وبما يكون مطلقا إنذار، ولكن على هذا يكون الإنذار أعم - تأمل - فى هذا المقام، والعلاقة بين الطلب والتهديد ما بينهما من نسبة التضاد، ولهذا يقال التهديد لا يصدق إلا مع المحرم والمكروه.
استعمال الأمر للتعجيز
  (و) ك (التعجيز) أى: إظهار العجز نحو قولك لمن يتوهم أن فى وسعه أن يفعل فعلا ما: افعله أى: فإنك لا تستطيع (نحو) قوله تعالى {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}(١) إذ ليس المراد به أمرهم حقيقة على وجه التكليف بالإتيان بسورة من مثله، وإنما المراد إظهار عجزهم عن الإتيان؛ لأنهم إذا حاولوا بعد سماع الصيغة ذلك الإتيان، ولم يمكنهم، ظهر عجزهم، ولا يقال لم لا يكون من التكليف، وغايته أن يكون من التكليف بالمحال؛ لاستحالة وجود الإتيان من المثل، والتكليف بالمحال جائز أو واقع؛ لأنا نقول القرائن هنا تعين إرادة التعجيز لإقامة الحجة عليهم فى ترك الإيمان، والعلاقة بين الطلب والتعجيز ما بينهما من شبه التضاد فى متعلقهما، فإن التعجيز فى المستحيلات، والطلب فى الممكنات ثم المجرور أعنى من مثله يحتمل أن يتعلق بالفعل الذى هو فأتوا، ويتعين حينئذ أن يعود الضمير فيه لعبدنا، فيكون المعنى فأتوا ممن هو مثل عبدنا فى كونه أميا لا يكتب بسورة مما يأتى به عبدنا، وهذا يقتضى وجود مثل عبدنا فى كونه أميا لا يكتب، وهو صحيح، ولا يصح أن يعود الضمير على هذا لما نزلنا؛ لأنه يلزم أن يكون المعنى فأتوا مما هو مثل ما نزلنا من الكلام البليغ بسورة، وهذا يقتضى أن يوجد مثل المنزل فى البلاغة، وهو غير صحيح؛ لأنه ليس فى طوق البشر، وإنما قلنا يقتضى وجود مثل المنزل؛ لأن هذا هو المفهوم من مثل هذا الكلام عرفا فإنك إذا قلت: ائتنى من الحماسة - وهى شعر الشجاعة - ببيت، أفاد وجود الحماسة، وحمله على
(١) البقرة: ٢٣.