استعمال الأمر للتعجيز
  مثل معنى ائتنى برجل أو جناح من العنقاء على معنى أن العنقاء لم توجد، فلا يوجد رجلها، ولا جناحها، احتمال عقلى لا يرتكب فى تراكيب البلغاء بشهادة الذوق والاستعمال، فلهذا يتعين أن يكون الضمير على هذا التقدير عائدا لعبدنا لا لما نزلنا، ولا يخفى أن هذا إنما يتم بناء على أن إعجاز القرآن لكونه خارجا من طوق البشر، وأما إن بنينا على أنه فى طوقهم، وصرفوا عنه، لم يفتقر لهذا، واعلم أن ما ذكر من اقتضاء ذلك التقدير وجود المثل إنما هو إن حمل على أن المقصود الإتيان بجزء من أجزاء الشيء، فإن المتبادر حينئذ وجود ذلك الشيء، وأما إن حمل على معنى طلب الإتيان بفرد من أفراد مدخول من، فلا يسلم عدم صحته فى تراكيب البلغاء عرفا، كما يقال: ائتنى من هذا النوع بفرد، فإنك لا تجده على معنى أنه لا فرد له فإنه صحيح، فافهم - والله أعلم - ويحتمل أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لسورة، فحينئذ يصح أن يعود الضمير لعبدنا، أو لما نزلنا، فيكون المعنى على الأول فأتوا بسورة كائنة من مثل عبدنا فى الأمية وعدم الكتابة، فيكون من ابتدائية، وعلى الثانى فأتوا بسورة من وصفها أنها من مثل ما نزلنا، أى: من جنسه، وحقيقته، فتكون من تبعيضية للبيان وهو صحيح؛ لأن المعجوز عنه حينئذ هو السورة الموصوفة بصفة هى كونها من مثل المنزل، أو من مثل عبدنا، ومعلوم أن الذى يفهم من مثل هذا الكلام عند امتناع الإتيان بالمأمور أن الامتناع لعدم المقدرة على الموصوف مع وجوده بوصفه، كما يقال: ائتنى بثوب ملبوس للأمير، فملبوس الأمير موجود، وامتنعت القدرة عليه، أو لعدم القدرة على الموصوف؛ لانتفاء وصفه، فيلزم امتناع الإتيان به بذلك القيد، كما يقال: ائتنى بثوب فيه أربعون ذراعا، والفرض أن لا ثوب موصوف بهذا الوصف، وكلا المعنيين يصحان عرفا؛ لأن الوصف فى حيز المأمور به فيفهم أن الامتناع لامتناع الوصف أو لامتناع تناول الموصوف، لعدم القدرة عليه بخلاف ما تقدم، فيتعين أن يكون لعدم القدرة عليه مع وجوده، وكلاهما على هذا التقدير فى المثال صحيح بناء على أنه ليس فى الطوق، فيكون الامتناع لعدم إمكان وجود السورة من مثل عبدنا، ولكن يراد على هذا بمثل عبدنا مثله فى مطلق البشرية، أى: من غير شرط الأمية لعجز الكل، أو بناء على أنه