استعمال الأمر للدعاء
  ولو من الأدنى، ومناط الدعاء فيه التضرع والخضوع ولو من الأعلى كالسيد مع عبده، ولا يكاد يتصور على حقيقته، ومناط الالتماس فيه التساوى مع نفى التضرع والاستعلاء، لكن ذكر فى الطول أن الالتماس يكون معه تضرع وتخضع لا يبلغ إلى حده فى الدعاء، وعلى ما تقرر إذا صدر الطلب من الأعلى إلى الأدنى كالسيد مع عبده من غير استعلاء ولا تخضع لم يسم بواحد منها وهو بعيد. (ثم الأمر) أى: صيغته إذا استعملت فى شيء فاختلف فى المطلوب بها بعد الاختلاف فى كونها للوجوب فيه، أو لغيره - كما تقدم - وبعد كون الراجح فيها أنها تسمى أمرا حقيقة، سواء كانت فيما استعملت فيه للوجوب، أو لغيره، فقيل: حقه مطلقا كونه مطلوبا، فيمتثل بالفور أو بالتراخى، ولا يتعين أحدهما فى مدلولها إلا بقرينة (وقال السكاكى حقه الفور) بمعنى أنه إذا قيل: افعل فمعناه: افعل فورا، ولا يدل على التراخى إلا بقرينة، ومتى انتفت انصرف للفور؛ (لأنه) أى: إنما قلنا حقه الفور؛ لأن كون المطلوب بها مطلوبا على الفور هو (الظاهر من الطلب) أى: لأن الذى يبدو للعقل بالنظر لاستعمال الصيغة هو الفور، فإن مقتضى الطبع فى كون الشيء مطلوبا أنه لا يطلب حتى يحتاج لوقوعه فى الحين، كما إذا قلت: اسقنى، فالمراد طلب السقى حينئذ، وهذا شأن الطلب فى الجملة عند الإنصاف، وكل ما يعرض من غير هذا فليس من مقتضى الطلب، ألا ترى إلى الاستفهام والنداء، فإن المستفهم عنه والمنادى إنما يراد الجواب بالأول فورا، وإقبال الثانى كذلك، ولا يخفى أن بيان كون الفور هو الظاهر بما ذكر مشتمل على قياس الأمر على الاستفهام والنداء، وهو قياس فى اللغة، فإن لم يقس عليهما فلا معنى لدلالتهما على أن الأمر يعتبر فيه ما يعتبر فيهما، وأن كون الطلب للحاجة لا يخلو من إثبات اللغة بالعقل مع أن اختصاص البيان بما ذكر يقال فيه: إنما ذلك لقرينة العطش، وأنه لو كان مدلوله الفور لغة لاحتيج إلى زيادة الفور فى حد الأمر - تأمل.
  (ولتبادر الفهم) أى: وقلنا - أيضا - حقه الفور لتبادر الفهم (عند الأمر بشيء) أى: بفعل من الأفعال (بعد الأمر بخلافه) أى: بضده كما يظهر من التمثيل (إلى تغيير) متعلق بتبادر، أى: يتبادر الفهم فيما ذكر إلى تغيير (الأمر) أى: تغيير المتكلم بالصيغة،