استعمال الأمر للالتماس
  الأمر (الأول) بالثانى (دون الجمع) أى: من غير أن يتبادر أن المتكلم أراد الجمع بين الفعلين المأمور بهما (وإرادة التراخى) أى: ومن غير أن يتبادر أن المتكلم أراد جواز التراخى فى أحد الأمرين، حتى يمكن الجمع بينهما، وبهذا يعلم أن الجمع والتراخى متقاربان؛ لأنه متى جاز التراخى أمكن الجمع، فأحد الأمرين أو كلاهما على التراخى، ويلزم من تغيير الأول كونه على الفور حيث غيره بما يعقبه، فيثبت به المطلوب من كونه على الفور، وإنما قلنا يتبادر منه التغيير؛ لأن المولى إذا قال لعبده: قم، ثم قال له: اضطجع إلى المساء، يتبادر إلى الفهم أن الأمر بالقيام ساقط عنه بالأمر بالاضطجاع إلى المساء، ولا يفهم منه أنه أراد الجمع بينهما بتراخى أحدهما عن زمان الآخر، فإنك إذا قلت لرجل: قم للصلاة، ثم قلت له: ارقد إلى الوقت، فهم أن المراد من الأول قم الآن لتوهم الوقت، إذ لا معنى للأمر قبله، ومن الثانى ارقد من الآن إلى الوقت (وفيه نظر) أى: وفيما ذكر مما بين به التبادر إلى التغيير نظر؛ لأنه لا يسلم التبادر عند اختلاف القرائن، فإنه لو قال له: قم، ثم قال: اضطجع، من غير أن يزيد إلى المساء، أو قال له فى الثانى: قم، من غير ذكر الصلاة، ثم قال له: ارقد، من غير ذكر وقت الصلاة لم يتبادر التغيير، وإنما فهم التغيير فى الأول بما جرت به العادة من أن مطلق القيام لا يراد به التأخير إلى الليل، ولما أمره بالاضطجاع المبدوء بوقت ورود الصيغة إلى المساء فهم تغيير الأول، ولو عن التراخى، الذى يمكن أن يراد به، وهو ما يقرب من زمن التكلم، وفهم فى الثانى - لو جرت به العادة - أن الإنسان لا يؤمر بالصلاة إلا عند وقتها، والأمر الثانى بين أنه لم يدخل وقتها، وعلى هذا يكون ما بين به الفور مما دل بالقرينة، فلا يظهر به كون حق الأمر أن يكون للفور وإنما قدرنا جواز التراخى؛ لأن القول المقابل للفور هو جواز التراخى بإرادة مطلق الطلب، لا وقوع التراخى، بمعنى أنه لا يقول بأن حقه الدلالة على التراخى، بل حقه جواز التراخى، وإنما دلالته على مطلق الطلب الصادق بالتراخى والفور.