استعمال النداء في غير معناه للاختصاص
  يكون (ل) إفادة (التفاؤل) كأن يقصد طلب الشيء، وصيغة الأمر هى الدالة عليه، فيعدل عنها إلى صيغة الماضى الدالة على تحقق الوقوع، تفاؤلا لتحققه، كما يقال: وفقك الله إلى التقوى، ولما كان من أسباب التحقق الطلب استعملت صيغة ذلك المسبب فى ذلك السبب، لعلاقة اللزوم فى الجملة (أو) أى: وإما أن يكون (لإظهار الحرص فى وقوعه) وإظهار الحرص مما يستدعى الامتثال لما تضمنه من الحث على الوقوع (كما مر) فى مبحث الشرط، وهو أن الطالب إذا عظمت رغبته فى شيء يكثر تصوره إياه؛ لأن محبوب الوقوع لا يزول عن الخاطر غالبا، فربما يخيل إليه حاصلا فيعبر عنه بصيغة الحصول بناء على ذلك التخيل، فالتعبير بصيغة الحصول يفهم منها تخيل الحصول الملزوم، لكثرة التصور الملزوم لكثرة الرغبة المقتضية للمبالغة فى الحث على الامتثال، وإذا اقتضى المقام الحث على التمكن من المطلوب على وجه المبالغة توصل إليه بهذا التعبير، وذلك كقولك: رزقنى الله لقاءك، ثم إن إظهار الحرص مع التفاؤل لا تنافى بينهما، فالبليغ إحضارهما فى التعبير بصيغة المضى عن الطلب، وإليه أشار بقوله: (والدعاء بصيغة الماضى من البليغ) كأن يقال رحمك الله (يحتملهما) أى: يحتمل التفاؤل وإظهار الحرص، بمعنى أنه يحتمل أن يريد التفاؤل بوقوع الرحمة للمخاطب قصدا لإدخال السرور عليه، أو يريد إظهار الحرص فى الوقوع، حيث عبر بالمضى لكثرة التصور الناشئ عن كثرة الرغبة قضاء لحق المخاطب، حيث كان ما ينفعه فى هذه المنزلة بالنسبة للمتكلم أو يريدهما معا، وإنما قال من البليغ؛ لأن غير البليغ إنما يقول ما يسمع من غير أن يراعى هذه الاعتبارات فى موارد المقامات، والمراد بالبليغ من يراعى ما ذكر؛ لأن له قوة عليه، ولو لم تكن له قوة فى سائر الأبواب بناء على تجزئ البلاغة كالاجتهاد. (أو) أى: وإما أن يكون (لحمل المخاطب على) تحصيل (المطلوب) لا بسبب إظهار الرغبة بل (بأن يكون) أى: بسبب كون المخاطب (ممن لا يحب أن يكذب) أى: أن ينسب (الطالب) إلى الكذب، فيكذب مبنى للمجهول بتشديد الذال، كقولك لصاحبك: يا فلان أنت تأتينا غدا، مكان ائتنى غدا، ولا بد؛ لأنه لما كان ممن لا يحب أن ينسب إلى الكذب وقد عبرت فى الإتيان بصيغة الخبر، فإذا لم يأت غدا كان