الفصل لعدم الاشتراك في القيد
  لا يستهزئ الله - تعالى - بهم إلا إذا خلوا، كما أنهم لا يقولون إلا إذا خلوا؛ لأن ذلك هو حكم العطف، والاستهزاء بهم دائم، فلا يتقيد بحال الخلو، وقد علم أن هذا إنما يتجه بناء على أن الجملة الأولى مختصة بالظرف كما تقرر، بحيث لا يوجد مضمونها عند انتفاء الظرف، ومضمون الثانية دائم فتنافيا، وأيضا لو فرض عدم اختصاص الأولى بالظرف، ولكن الظرف ذكر لفائدة أخرى، بحيث يعلم مثلا أنهم يقولون ذلك خلوا أو لا، فلا يصح منع العطف على الأولى؛ لأن الدوام المقصود منها لا ينافيه ذكر الظرف للأولى؛ لأنها على هذا الفرض دائمة أيضا ولهذا يرد هاهنا أن يقال: إنما يكون الاختصاص المذكور فى الكلام إذا كانت إذا ظرفا، فيلزم من تقديمها على العامل وجود الاختصاص كتقديم سائر المعمولات، وأما إذا كانت شرطا فتقديمها لاقتضائه الصدرية، فلا يتحقق الاختصاص، فالعطف لا يوجب خلاف المراد، لصحة الدوام فى الأولى أيضا وقد أجيب بجوابين مآلهما واحد.
  أحدهما أن إذا الشرطية الظرفية فى الأصل، وإنما توسع فيها باستعمالها شرطية، وإذا كانت ظرفية فى الأصل أفاد تقديمها الاختصاص، ولو كانت شرطية نظرا للأصل وحاصله التزام كون التقديم للاختصاص فيها ولو كانت شرطية نظرا لأصلها.
  وثانيهما أنا بعد أن نسلم شرطيتها، وعدم كون الظرفية أصلا لها تقول: إنها لو كانت شرطية هى اسم فضلة تحتاج إلى عامل وهو هنا «قالوا» لا الشرط الذى هو خلوا إذ ليس المراد قطعا أن لهم وقتا يخلون فيه، وإذا وقعت خلوتهم فى ذلك الوقت نشأ عن ذلك قولهم فى غير الخلوة أيضا؛ لأنهم منافقون، وإنما يقولون فى الخلوة فالمعنى على ما علم من الخارج أنهم يقولون ذلك فى وقت خلوتهم وإذا كان معمولا «لقالوا» وقد تقدم عليه لشرطيته أفاد بمفهومه أن القول ليس فى وقت الخلوة، فيلزم من العطف على «قالوا» كون المعطوف مقيدا بحكم المعطوف عليه بشهادة الذوق والاستعمال؛ فلذلك إذا قلت: «يوم الجمعة سرت وضربت زيدا» على أن ضربت معطوف على سرت أفاد اختصاص الفعلين بالظرف، بخلاف ما إذا أخر المعمول وقيل: سرت يوم الجمعة وضربت زيدا فلا يدل على اشتراك الفعلين فى الظرف، فضلا عن اختصاصهما به، ولكن لا يخفى أن الجواب الثاني تحقيق لكون تقديم الشرط يفيد الاختصاص؛ نظرا إلى