الفصل لعدم الاشتراك في القيد
  أنه معمول كالظروف، فآل أمره إلى اعتبار ظرفيته فهو قريب من الأول؛ وإنما يفترقان فى رعاية أصالة الظرفية له ثم نقل أو وضع شرطا ولكن وقع فيه العمل كالظرف، وهذا التفريق لا تظهر له ثمرة، ثم إن هاهنا شيئا آخر: وهو أن القيد الصالح للأولى ولو لم يكن على وجه الاختصاص ينبغى أن يمتنع العطف معه؛ لئلا يتوهم التقييد به فلم خص المنع بالقيد الذى تعين فيه التخصيص حتى يحتاج إلى هذا البحث وأجوبته؟ وأيضا اختصاص الجملة الأولى بقيد يقال فيه «أى:» دليل على أن عطف الثانية عليها يفيد مشاركتها فيه، فهب أن الأولى اختصت فما المانع من عطف الثانية من غير اختصاص؟ فإن العطف إنما يدل على التشريك فى حكم الإعراب، لا فى القيود فإن قيل اللغة جاءت بالتشريك فى القيد المتقدم دون المتأخر، كان ذلك إن صح مغنيا عن هذا التطويل فليذكر من أول وهلة، ثم هذه الآية قد تقدم ذكرها؛ لبيان وجه امتناع عطف جملة «الله يستهزى بهم» على جملة «إنا معكم» وذكرت هنا لبيان وجه امتناع عطفه على جملة «قالوا» لمناسبة المحلين إذ المنع هنا بالنسبة لما لا محل له، وهو «قالوا» وهنالك لما له محل وهو «إنا معكم» إذ هو معمول «لقالوا» كما تقدم (وإلا) بأن لم يكن للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية وهو صادق بصورتين:
  إحداهما: أن لا يكون للأولى حكم أصلا كقولك «بالأمس خرج زيد ودخل صديقه» فقوله: وإلا معطوف على قوله: «فإن كان للأولى» إذ فيه شرط مقدر، وهذا الشرط جوابه الشرط مع جوابه بعده، وإليه أشار بقوله (فإن كان) حينئذ (بينهما) أى: بين الجملتين (كمال الانقطاع) وسيأتى تفصيله (بلا إيهام) يحصل عند فرض وقوع الفصل بمعنى أن الجملتين إذا فصلتا لم يحصل فيهما إيهام خلاف المراد؛ بل يظهر المراد مع الفصل (أو) كان بينهما (كمال الاتصال) ويأتى الآن تفسيره أيضا (أو) كان بينهما (شبه أحدهما) أى: شبه أحد الكمالين، وذلك بأن لا يحصل بينهما كمال الانقطاع، ولكن بينهما ما يشبه كمال الانقطاع - وسيبين فى التفصيل بعد - ولا يحصل بينهما كمال الاتصال أيضا، ولكن كان بينهما شبه كمال الاتصال، ويأتى بيانه أيضا.