الفصل لكمال الاتصال
  المؤدى إلى الإنكار؛ إذ لا عجب مع شهود النشأة الأولى؟ ففى المثال شيء نعم لو مثل بأن يقال مثلا: قال زيد قولا قال «يهزم الجند وحده» لكان واضحا فتأمله (أو) ككونه (لطيفا) أى: ظريفا مستحسنا فيقتضى ذلك الاعتناء به؛ لإدخال ما يستطرف فى أذهان السامعين حيث يقتضى المقام بسطهم، كقولك لغائص يريد الغناء «غوص وغناء» كيف سرنى ونقر مزمار؟ ولا تخفى لطافته وتأويل البدل والمبدل منه حتى يكونا جملتين ثانيتهما بدل من الأولى - أن يقدر الكلام جمعت بين متنافيين: جمعت بين كيف سرنى، ونقر من مزمار» فافهم.
  ثم مثل لأحد القسمين اللذين اقتصر عليهما وهو بدل البعض فقال (نحو) قوله تعالى حكاية عن قول نبى الله هود على نبينا وعليه الصلاة والسّلام لقومه: {وَاتَّقُوا الَّذِي (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ ١٣٢ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ}(١) فإن المراد) من هذا الخطاب (التنبيه على نعم الله تعالى) والمقام يقتضى اعتناء واهتماما بشأن ذلك التنبيه لكونه مطلوبا فى نفسه؛ لأنه تذكير للنعم لتشكر، وهو ذريعة لغيره كالإيمان والعمل بالطاعة (والثانى) يعنى قوله: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ} (أوفى بتأديته) أى: بتأدية المراد الذى هو التنبيه على النعم، وإنما كان الثانى أوفى (لدلالته عليها) أى: على تلك النعم (بالتفصيل) حيث سميت بنوعها (من غير إحالة) أى: من غير أن يحال تفصيلها (على علم المخاطبين المعاندين) لكفرهم إذ ربما نسبوا تلك النعم إلى قدرهم جهلا منهم، وإنما ينسبون نعما أخرى مثلا إليه تعالى كالإحياء والتصوير (فوزانه) أى: فمرتبة قوله: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ} إلخ بالنسبة لقوله: {أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ} (وزان) أى: مرتبة قولك (وجهه) بالنسبة لزيد (فى) قولك (أعجبنى زيد وجهه) وإنما كان وزانه مع ما قبله كوزان وجهه مع زيد؛ لأن الوجه من زيد بعضه فكان أمدكم بأنعام وبنين مع أمدكم بما تعلمون كالوجه من زيد (لدخول الثانى) يعنى مضمون {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ} إلخ (فى الأول) يعنى {أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ} لأن قوله: {بِما تَعْلَمُونَ} يشمل الأنعام والبنين، وجنات وعيون، وغير ذلك من العز والراحة وسلامة الأعضاء والبدن ومنافعها، وههنا شيء
(١) الشعراء: ١٣٢، ١٣٣.