مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الفصل لكمال الاتصال

صفحة 551 - الجزء 1

  لا بد من التنبيه عليه، وهو أن قوله {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ ١٣٣ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}⁣(⁣١) إن كان هو المراد فقط من الجملة الأولى، كانت الثانية بدل بعض، ولكن يفوت التنبيه على جميع النعم المعلومة لهم وإن أريد ما هو أعم لم تكن الثانية بدل بعض، بل من ذكر العام بعد الخاص، فلا تكون أوفى لأن الأولى أوفى من جهة إفادة العموم والثانية أوفى من جهة التفصيل تأمل ثم مثل للقسم الثانى من هذين وهو ما تكون فيه الجملة الثانية بدل اشتمال فقال (نحو قوله:

  أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن فى السر والجهر مسلما)⁣(⁣٢)

  أى: أقول له حيث لم يكن ظاهرك وباطنك سالما من ملابسة ما لا ينبغى فى شأننا، فارحل عنا ولا تقم فى حضرتنا، فلم يعطف «لا تقيمن» على جملة «ارحل»؛ لأن لا تقيمن بالنسبة إلى ارحل بدل اشتمال وإلى بيان ذلك أشار بقوله (فإن المراد به) أى: بقوله: ارحل (كمال إظهار) كمال (الكراهة لإقامته) أى: لإقامة المتحدث عنه لديهم، ومعلوم أنه ليس المراد أن ارحل موضوع لكمال إظهار كمال الكراهة، وإنما وضع لطلب الرحيل، لكن لما كان طلب الشيء عرفا يقتضى غالبا محبته، ومحبة الشيء تستلزم كراهة ضده وهو الإقامة هنا فهم منه كراهة الإقامة، والدليل على أن الأمر أجرى على مقتضى هذا الغالب، ولم يرد به مجرد الطلب الصادق بعدم كراهة الضد قوله «وإلا فكن فى السر الخ» فإنه يدل على كراهة إقامته لسوئه، لا لأنه مأمور بالرحيل مع عدم المبالاة بإقامته وعدم كراهتها، بل لمصلحة له فيه مثلا، ولما كانت هذه الكراهة قد يفيدها غير اللفظ من الإيماء والإشارة والحال كان إفادتها باللفظ وافيا (و) لكن قوله (لا تقيمن أوفى) منه (بتأديته) أى: تأدية كمال إظهار كمال الكراهة، وإنما كان لا تقيمن أوفى (لدلالته عليه) أى: على كمال إظهار كمال الكراهة (بالمطابقة) القصدية العرفية (مع) ما فيه من (التأكيد) بالنون، وإنما زدنا القصدية العرفية لما أشرنا إليه فى


(١) الشعراء: ١٣٣، ١٣٤.

(٢) البيت بلا نسبة في الإشارات للجرجاني ص (١٣٢)، وكذا خزانة الأدب (٥/ ٢٠٧، ٨/ ٤٦٣)، ومجالس ثعلب ص (٩٦)، ومعاهد التنصيص (١/ ٢٧٨)، وعقود الجمان ص (١٨٧).