مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الفصل لشبه كمال الانقطاع

صفحة 556 - الجزء 1

  المانع؛ لأن مانع الإيهام عارض يمكن دفعه بالقرينة بخلاف ما بينهما كمال الانقطاع. فالمانع فيهما ذاتى لا يمكن دفعه، (ويسمى الفصل) أى: ترك العطف (ل) أجل (ذلك قطعا) إما من تخصيص الخاص باسم العام اصطلاحا؛ لأن كل فصل قطع، وإما لأن فيه قطع توهم خلاف المراد (مثاله) أى: مثال الفصل لدفع الإيهام المسمى بالقطع (قوله:

  وتظن سلمى أننى أبغى بها ... بدلا أراها فى الضلال تهيم)⁣(⁣١)

  فإن جملة «أراها» حاصل معناها «أظنها» فهى مع جملة «تظن سلمى» متحدتا المسندين. والمسند إليه فى الأولى محبوب، وفى الثانية محب، وذلك شبه التضايف، فبين الجملتين مناسبة باعتبار المسندين والمسند إليهما معا لكن منع من العطف إيهام عطف خلاف المراد، إذ لو عطفت لتوهم أنها معطوفة على قوله أبغى، فيكون المعنى أن سلمى تظننى موصوفا بوصفين: أحدهما: أنى أبغى بها بدلا، والآخر: أنى أظنها تهيم فى أودية الضلال، فيفوت الإخبار بأنها أخطأت فى ظنها أنى أبغى بها بدلا، وذلك أن الشاعر قصر حبه عليها فأراد أن يخبر جزما بأنها تهيم فى أودية الضلال فى هذا الظن، لا أن يخبر بظنها أنه موصوف بالوصفين.

  ففى العطف إيهام الخلل فى المعنى لكن المناسب على هذا أن يحمل أرى على معنى أتيقن، فلا يكون نفس الظن الكائن فى الجملة الأولى، فلا يتحد المسندان والجواب أن اليقين أخص من الظن فالاتحاد لازم لاشتمال الأول على مطلق الرجحان الكائن فى الثانى مع زيادة، ولم يعتبر ما فى القطع من إيهام الخبرية فى جملة: «أراها» أو التأكيد وشبه ذلك مما يحتمل أن يحتمل لها فى المقام؛ لأن أصل الجملة الاستئناف، فتحمل عليه إلا لدليل قوى، ولم يوجد بخلاف العطف، فلا بد من معطوف عليه، والمتبادر أنه هو الأقرب الذى هو جملة أبغى فتقوى الإيهام فيه دون الفصل، ثم المناسبة المثبتة ههنا خلاف المناسبة المثبتة فى باب الوصل، فلا يرد أن يقال الفصل لا تكون فيه مناسبة؛ لأنا نقول: المناسبة التى لا تكون فيه هو المصححة للعطف بخلاف التى معها الإيهام المنافى


(١) البيت لأبي تمام أورده محمد بن علي الجرجانى فى الإشارات ص (١٢٩)، غير منسوب، والمفتاح ص (٢٦١)، ومعاهد التنصيص (١/ ٢٧٩)، والمصباح ص (٥٨)، وعقود الجمان ص (١٨١).