حذف الاستئناف كله
  فقوله: زعمتم أن إخوتكم قريش مشعر بأن القائل لم يسلم له ما ادعى، إذ الزعم كما ورد مطية الكذب لكن قد يستعمل لمجرد النسبة لا لقصد التكذيب فليس فيه تصديق ولا تكذيب صريح فكان المقام مقام أن يقال: هل صدقنا عندك فى ذلك أم كذبنا فكان الجواب: كذبتم فحذفه وأقام مقامه لهم إلف، وليس لكم إلاف أى: لهم مؤالفة الرحلتين، للتجر رحلة فى الشتاء لليمن، ورحلة فى الصيف إلى الشام، وليس لكم ذلك فافترقتما فى الأخوة، لعدم تحقق التساوى فى المزايا والرتب، وهذا دل على كذبتم، إذ لو صدقوا فى ادعاء الأخوة لاستووا مع قريش فى مؤالفة الرحلتين، والإلف مصدر الثلاثى وهو ألف والإيلاف مصدر الرباعى، وهو آلف وكلاهما بمعنى ولما دل قوله لهم إلف إلخ على كذبتم صار كالبيان له فأقيم مقامه ولك أن تعتبر فيه أن يكون استئنافا، جوابا لسؤال آخر مقدر بعد الاستئناف المحذوف؛ لأن كذبتم المقدر كالمذكور، لدلالة قرينة الزعم، فكأنه قيل: لماذا قلت كذبنا فقال لأن لهم إلف وليس لكم إلاف، والمآل فى القصد واحد، إلا أن الاعتبار الأول يجعل قوله لهم إلف بيانا للمحذوف، لدلالته عليه واستلزامه إياه من غير تقدير سؤال آخر وهو يجعله بكونه سببا للكذب، ومبينا له بالدلالة جوابا عن سؤال عن علة ادعاء الكذب فالمآل واحد والاعتبار مختلف، تأمله، فالاستئناف المحذوف هنا وهو كذبتم أقيم مقامه لهم إلف إلخ كما قررنا (أو) يكون حذف ذلك المحذوف، لا مع قيام شيء مقامه بل (بدون ذلك) وذلك بأن يكتفى بمجرد القرينة على المحذوف (نحو) قوله تعالى {فَنِعْمَ الْماهِدُونَ}(١) فإن المخصوص فيه محذوف (أى: نحن) وإنما قدر السؤال لأن نعم مع فاعلها لإبهامه بصدد أن يسأل معها عن المخصوص كما قررنا آنفا. فيجاب بالمخصوص وإذا دلت عليه القرينة حذف كما دلت عليه هنا ولكن إنما يكون مما حذف فيه المجموع (على القول) السابق، وهو قول من يجعل المخصوص بالمدح خبر مبتدأ محذوف، فيكون التقدير: هم نحن.
(١) الذاريات: ٤٨.