الوصل لدفع الإيهام
  وأما على قول من يجعله مبتدأ أو ما قبله خبرا، فليس من الباب، وهو ظاهر ولما فرغ من موجبات الفصل وهى أربعة أحوال كما تقدم، وهى كمال الانقطاع بلا إيهام، وكمال الاتصال وشبه الأول، وشبه الثانى شرع فى الحالتين الموجبتين للوصل، وهما ما ليس فيهما أحد الأحوال الأربعة بأن يكون بين الجملتين كمال الانقطاع مع الإيهام أو يكون بينهما التوسط كما تقدم. فأشار إلى الحالة الأولى منهما بقوله:
الوصل لدفع الإيهام
  (وأما الوصل) الذى يجب مع كمال الانقطاع (لدفع الإيهام فهو كقولهم) فى المحاورات عند قصد النفى لشيء تقدم مع الدعاء للمخاطب بالتأييد (لا وأيدك الله).
  فقولهم لا نفى لمضمون كلام أخبر به أو لمسئول عنه، كأن يقال: أنت أسأت إلى فلان فيقال: لا، أى: ما أسأت إليه ويقال هل الأمر كما زعم فلان فيقال: لا أى ليس الأمر كما زعم وقولهم أيدك الله دعاء بالتأييد للمخاطب. فلا تضمنت جملة خبرية، وأيدك الله جملة إنشائية وبينهما كمال الانقطاع، لكن لو لم تعطف الثانية على الجملة المقدرة.
  وقيل: لا أيدك الله لتوهم أن هذا الكلام دعاء على المخاطب بنفى التأييد، فوجب الوصل، لعطف الثانية على الأولى، لدفع هذا الإيهام. وهذا نظير الفصل لدفع الإيهام الكائن فى الوصل كما تقدم فى قوله: (أراها فى الضلال تهيم) وهذا كله على أن الواو هنا عاطفة، وقيل إنها لدفع الإيهام، ولا تسمى عاطفة. وقد تبين من هذا أن المعطوف عليه فى هذا التركيب بناء على أن الواو عاطفة هو الكلام المنفى مضمونه بلا، ولا يحتاج إلى جملة تتقدم لا فيعطف عليها، كما فهم بعضهم حين التبس عليه المعطوف عليه فى هذا التركيب، فاحتاج فى التمثيل إلى كلام حكاه عن الثعالبى مشتمل على قوله (قلت لا وأيدك الله) فجعل المعطوف عليه هو جملة (قلت) فمثال المصنف على هذا على تقدير، ويلزمه بذلك اختلال المثال وعدم وضوحه إذ لم يأت بالمعطوف عليه وهو قلت، وهذا الفهم المحوج إلى الزيادة فى المثال، يرد بوجهين: أحدهما أن الذى جرى به الاستعمال العربى، والقصد الغالبى، كون ما بعد لا من مقول القائل، فى المعنى: قلت لا، وقلت أيدك الله، وهذا يقتضى عطف أيدك الله على مضمون لا، لا على قلت،