مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الوصل لدفع الإيهام

صفحة 569 - الجزء 1

  لفظا والمعطوفة إنشائية، هو (ك) ما فى (قوله) تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}⁣(⁣١) فجملة: قولوا معطوفة على جملة لا تعبدون، وهما إنشائيتان معنى. أما جملة: قولوا فأمرها واضح وأما جملة {لا تَعْبُدُونَ} ولو كان لفظها خبرا فهى إنشائية معنى إذ هى نهى (أى: لا تعبدوا) فهذا مثال لقسم ما كانت فيه الأولى خبرية لفظا ومعنى والثانية إنشائية لفظا. وأما القسم الذى هو أن تكون الجملتان إنشائيتين معنى، وهما خبريتان لفظا، فيحتمل أن يستخرج من هذا المثال، وذلك أن معنى قوله: {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} إما أن يقدر خبريا لفظا، ويكون معطوفا على قوله {لا تَعْبُدُونَ} فيكون التقدير: لا تعبدون وتحسنون أى: (وتحسنون) بالوالدين إحسانا (بمعنى أحسنوا)، وعليه تكونان إنشائيتين معنى، خبريتين لفظا: ويترجح هذا التقدير بوجهين: أحدهما: موافقة المعطوف عليه لفظا، والآخر الإيماء إلى المبالغة فى تأكيد الطلب، حتى كأن المخاطب سارع، أو يسارع إلى امتثال، فهو مخبر عنه بهذا الاعتبار، لا مأمور، إظهارا لكمال الرغبة. كما تقول لإنسان حال كمال رغبتك، فى الامتثال أنت تذهب إلى فلان تقول له كذا وكذا وأنت تتوب من هذا الذنب مكان اذهب وتب إظهارا لكمال الرغبة حيث عد الذهاب والتوبة، كالواقعين المتسارع إليهما.

  وكالموعود بوقوعهما، وذلك أن المرغوب، يتخيل واقعا أو سيقع، فيخبر عنه. ويحتمل أن يكون وجه المبالغة، الإيماء إلى أن الأليق بحال المخاطب، أن لا يؤمر بهذا، بل الأليق به أن يخبر به عنه، لكون ذلك أنسب بحاله والأولى أن يتصف به.

  (أو) يقدر ذلك المتعلق بصيغة الأمر أى: (وأحسنوا) بالوالدين إحسانا موافقا لأصل معناه، وعليه يكون عطفه على لا تعبدون كعطف قوله: قولوا، والجامع بين هذه الجمل إما باعتبار المسند إليه فواضح لاتحاده فيها، وإما باعتبار المسندات، فلأن تخصيص الله تعالى بالعبادة والإحسان للوالدين وقول الحسن للناس اتحدت فى أنها مأمور بها، وأخذ الميثاق عليها، ويمكن أن يكون الجامع فيها خياليا، باعتبار المكلفين المخاطبين


(١) البقرة: ٨٣.