مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

جامع التماثل

صفحة 577 - الجزء 1

  يصيران متحدين إن كان المجرد مشتركا، أما إن انتزع من هذا كل ومن هذا آخر لم يرتفع التعدد كأن ينتزع من هذا إنسان فاجر ومن هذا عكسه، ولكن لا يصيران حينئذ مثلين فى ذلك المنتزع، والكلام عند تماثلهما فيه وبه علم أنه ليس كلما انتزع كلى ارتفع التعدد. وقد علم مما قررنا أن المثلية فيما بين المختلفين فى المشخصات والاتحاد فيما بين لفظين اتحد مدلولهما وأشار بقوله لأن العقل بتجريده إلى آخره إلى أن العقل شأنه إدراك الكليات، وإنما يتحقق كون المعنى كليا بتجريده عن المشخصات الخارجية، وذلك لأن العقل على زعم الحكماء مجرد عن المادة أعنى العناصر الأربعة ولواحقها فلا يرتسم فيه إلا الكلى المجرد عن الأمور الخارجية أو الجزئى المجرد كما تقدم، فهو بذاته لا يدرك الجزئى الجسمانى؛ لأنه معروض لعوارض تنافى التجريد، فلا تناسب العقل المجرد بخلاف الكلى أو الجزئى المجرد وإنما يدرك الجزئى الجسمانى، بواسطة آلة الحس أو الوهم وإنما قلنا بالآلة لأنه يحكم على الجزئيات بالكليات، والحكم فرع التصور وعند المليين أن العقل يدرك كل شيء بواسطة أو بغيرها لأنا لو تنزلنا للتجريد والانطباع امتنع إدراك العقل ما فيه انطباع مطلقا أى بالآلة وبغيرها؛ لأنه لا يدرك حتى يرتسم فى المدرك، ولو بعد الآلة. وقيد المشخصات بالخارجية لأن الذهنية كفصول الماهية التى بها يتحقق التمايز بين الكليات، وبها تتخصص ذهنا لا يمكن التجريد عنها ومثال التماثل فى الموضوع تقدم، وفى المحمول قولك: زيد كاتب وعمرو كاتب فإن كتابة زيد وكتابة عمرو ولو اختلفتا بالشخص حقيقتهما واحدة، فإذا جردتا عن الإضافة المشخصة صارتا شيئا واحدا، ثم إن هنا بحثا، وهو أن هذا الكلام يقتضى أن كل شيئين بينهما تماثل بأن تكون حقيقتهما النوعية واحدة تحقق الجامع بينهما بذلك التماثل، فعلى هذا يتحقق الجامع بين زيد وعمرو مثلا بالحقيقة النوعية، ولو لم يكن بينهما صداقة ولا عداوة، ولا غيرهما وقد تقدم ما يخالفه فقد نصوا على أنه لا بد من مناسبة زائدة كما تقدم. وقد يجاب بأن المراد هنا بالحقيقة النوعية، ما هو أخص منها فى اصطلاح الحكماء وذلك بأن يتحدا فى الحقيقة بشرط إدخال وصف زائد فيهما، فمعنى تماثل زيد وعمرو فى الحقيقة كون كل منهما إنسانا صديقا لآخر، أو عدوا له أو أميرا مثله أو نحو ذلك، ولا حجر فى الاصطلاح وقد اعتبروا مثل هذا فى باب التشبيه كما سيأتى