تذنيب
  والحالى فيقال: يجيء زيد غدا راكبا وجاء أمس راكبا وهو حاضر الآن راكبا، وإنما ينافى الاستقبال حال التكلم والحال هذه لا تدل على وقت التكلم فتقرر أنهم إنما كرهوا الجمع بين متنافيين فى الجملة ولو كان لا تنافى بينهما فى الحقيقة باعتبار الحالة الراهنة كذا ذكر هذا المعنى ويرد بأن هذا التنافى الوهمى إن روعى بين لفظ الحال ولفظ الاستقبال، فلم يوجدا معا وإن روعى بين معنى الحال ومعنى الاستقبال، فهو موجود فى الفعل المضارع المجعول حالا، ولو لم يتصل بعلامة الاستقبال، ولذلك قيل فى التعليل إن الفعل المجعول حالا قيد للعامل فى صاحب الحال بجميع أجزائه الدلالية، فإذا دل على حدث استقبالى أفاد أن ذلك العامل مقيد بحدث استقبالى باعتبار ذلك العامل، بمعنى أن المقيد كأنه يقول يقع مضمون ذلك العامل فى حال كونه مقيدا بوقوع حدث هو كذا بعده، وإذا دل على حدث ما ضوى فكذلك، فإذا قلت: يجيء زيد سيركب كان المعنى إذا وقع مجيئه فإنه يقع فى حال تقييده بوقوع ركوبه بعد ذلك المجيء وإذا قلت: جاء زيد ركب كان المعنى أن مجيئه وقع فى حال كونه مقيدا بركوب قبله، والتقييد بما فيه القبلية والبعدية ينافى وضع الحال؛ لأنها للمقارنة، ولذلك شرط فى الفعل الماضى اتصاله بقد المقربة للمقارنة فتصحح الحالية لجرها إلى الاتصال وتأول المنفى الماضى بما يقتضى المقارنة على ما سيأتى وشرط التجريد من علامة الاستقبال.
  والحاصل أن المعتبر فيما يفهم من عرف العربية فى الفعل الذى هو الحال مدلوله الماضوى أو الاستقبالى، باعتبار ما جعل قيدا له لا باعتبار زمن التكلم فإنه ملغى الاعتبار فى الفعل، والتقدم والتأخر فى الحال ممنوع، فوجبت قد فى الماضى لتحصل المقارنة أو ما يجرى مجراها، والتجريد من علم الاستقبال لتحصل أيضا وهذا التعليل تام إن سلم أنه يفهم فى العربية أن الاستقبال والمضى فى الفعل الواقع حالا إنما هما باعتبار العامل وأن قد تقرب له، وهو محل نظر فيتأمل.
  ثم مثل للأمرين الجائزين على السواء، أعنى: الإتيان بالواو وتركه فى المضارع المنفى، فقال: الأول (كقراءة) ابن ذكوان) في قوله تعالى: {فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ}