تذنيب
  مثال مما يستشهد به ولكن يقتضيه القياس، فأما مثال الأول وهو النفى بلم مع الواو، فأشار إليه عاطفا له على ما تقدم بقوله (و) ك (قوله) تعالى حكاية عن مريم & ({أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ})(١) أى: كيف يكون لى غلام والحالة أنى أعلم حينئذ أنى لم يمسسنى بشر فيما مضى، وبهذا التقدير يعلم أن العامل فى الحال إن قيد بحال يعلم مضيها أى: يسبقها ذلك العامل وجب تأويلها بما يفيد المقارنة وأن من نص على أن ذلك جائز ولم يبين فكلامه ظاهرى مخالف لأصل وضع الحال وأما الثانى وهو المنفى بلم بدون الواو فأشار إليه بقوله (و) ك (قوله) تعالى: ({فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ})(٢) أى: انقلبوا فى حال كونهم لم يمسسهم سوء فى ذلك الانقلاب، وأما الثالث وهو المنفى بلما مع وجود الواو فأشار إليه بقوله (و) ك (قوله) تعالى: ({أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ})(٣) أى: أم ظننتم دخول الجنة والحال أنكم ما أتاكم مثل الذين خلوا من قبلكم، وأما الرابع وهو أن يكون منفيا بلما دون الواو فلم يمثل له كما ذكرنا وقد استشهد له بقوله:
  فقالت له العينان سمعا وطاعة ... وحدرتا كالدر لما يثقب(٤)
  ثم أشار إلى العلة فى جواز الأمرين أعنى الإتيان بالواو وتركه فى الماضى المثبت وفى الماضى المنفى فقال: (أما) الماضى (المثبت ف) جواز الأمرين فيه (لدلالته على الحصول) المتقدم وهو حصول صفة غير ثابتة فاللام فيه للعهد وقد تضمن هذا الكلام شيئين: كون الحاصل صفة، وكون تلك الصفة غير ثابتة أى: غير دائمة وإنما أفاد هذين الشيئين (لكونه فعلا مثبتا) فمن كونه ثابتا لا منفيا يفيد الحصول ومن كونه فعلا والفعل يقتضى التجدد
(١) مريم: ٢٠.
(٢) آل عمران: ١٧٤.
(٣) البقرة: ٢١٤.
(٤) البيت بلا نسبة في لسان العرب (١١/ ٥٧٢، ٥٧٧) (قول) وتاج العروس (قول).