الفصل والوصل
  ببلوغه الدرجة القصوى فى الكمال؛ يجعل المبتدأ «ذلك»، وتعريف الخبر باللام -: جاز أن يتوهّم - السامع قبل التأمّل: أنّه ممّا يرمى به جزافا؛ فأتبعه نفيا لذلك التوهّم؛ فوزانه وزان «نفسه» فى: «جاءنى زيد نفسه»، ونحو: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} فإنّ معناه: أنه فى الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها حتى كأنّه هداية محضة؛ وهذا معنى: {ذلِكَ الْكِتابُ} لأنّ معناه - كما مرّ -: الكتاب الكامل، والمراد بكماله: كماله فى الهداية؛ لأن الكتب السماوية بحسبها تتفاوت فى درجات الكمال؛ فوزانه وزان «زيد الثانى» فى: «جاءنى زيد زيد».
  (٥٤٧) أو بدلا منها؛ لأنها غير وافية بتمام المراد، أو كغير الوافية، بخلاف الثانية، والمقام يقتضى اعتناء بشأنه لنكتة؛ ككونه مطلوبا فى نفسه، أو فظيعا، أو عجيبا، أو لطيفا؛ نحو: {أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}(١) فإنّ المراد التنبيه على نعم الله تعالى، والثانى أوفى بتأديته؛ لدلالته عليها بالتفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين المعاندين؛ فوزانه وزان «وجهه» فى: «أعجبنى زيد» وجهه لدخول الثانى فى الأوّل، ونحو قوله(٢) [من الطويل]:
  أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا ... وإلّا فكن فى السّرّ والجهر مسلما
  فإنّ المراد به إظهار كمال الكراهة لإقامته، وقوله: (لا تقيمنّ عندنا) أوفى بتأديته؛ لدلالته عليه بالمطابقة مع التأكيد؛ فوزانه وزان «حسنها» فى: «أعجبتنى الدار حسنها»؛ (٥٥٢) لأنّ عدم الإقامة مغاير للارتحال، وغير داخل فيه، مع ما بينهما من الملابسة.
  (٥٥٤) أو بيانا لها؛ لخفائها؛ {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى}(٣)؛ فإنّ وزانه وزان «عمر» فى قوله [من الرجز]:
  أقسم بالله أبو حفص عمر(٤)
  (٥٥٥) وأما كونها كالمنقطعة عنها: فلكون عطفها عليها موهما لعطفها على غيرها، ويسمّى الفصل لذلك قطعا؛ مثاله [من الكامل]:
(١) الشعراء: ١٣٢ - ١٣٤.
(٢) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ١٢٣ بلا عزو.
(٣) طه: ١٢٠.
(٤) وبعده: ما مسها من نقب ولا دبر.