مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تذنيب

صفحة 617 - الجزء 1

  فقولك: وهو مسرع، إذا لم تقصد فيه استئناف الإثبات بمنزلة ما لو قلت جاء زيد وعمرو يسرع أمامه، ثم تزعم أنك لم تستأنف كلاما، ولا أنشأت للسرعة المنسوبة لعمرو إثباتا وإنما أتيت بمتعلق من متعلقات الكلام أعنى: المتعلق الذى لا يمكن استقلاله عن تقرير نسبة العامل فيه.

  فتقرر بهذا أن الجملة الاسمية لما كانت لقصد استئناف النسبة والاستئناف يشتمل على الانفصال، والانفصال فيها يستدعى إذا جعلت حالا ربطها بالواو كان القياس فيها ربطها بالواو ليحصل وصلها بما قبلها فإن عدل عن الواو فلضرب من التأويل كما فى قوله تعالى: {بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ}⁣(⁣١) بترك الواو فيها لتأويل أن الواو كحرف العطف فلا يجتمع مع حرف عطف آخر، أو لضرب من التشبيه بالمفرد كما فى قولك: كلمته فوه إلى فى؛ لأنه يتبادر منه أن المعنى مشافها، وكذلك قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}⁣(⁣٢) أى: متعادين وهذا التأويل لا يحسن فى نحو: جاء زيد هو يسرع، ولذلك قيل إن إسقاط الواو فيه خبيث، وذلك لأن التأويل فيه ليس باستخراج معنى من الجملة يعبر عنه بالمفرد قد باح به السياق فعدل عنه لمعنى فى الجملة كالتصريح بعداوة بعضهم بعضا المفيد للتفريع على التعادى من الإبعاض مع شمول الجنس لهم بخلاف قولنا: متعادين، فليس صريحا فى ذلك ولو اقتضاه وإنما التأويل بإسقاط الضمير الذى هو كالتكرار فلا فائدة للإتيان به ثم تأويله بالإسقاط، بخلاف التأويل فى الجملتين إنما هو من جهة المعنى المدلول عليه بالسياق وليس سهل الإخراج، إذ ليس بإسقاط ما هو كالتكرار وقوله: أى: قول القائل جاء زيد وهو يسرع، بمنزلة: جاء زيد وزيد يسرع، وهو بمنزلة: جاء زيد وعمرو يسرع أمامه مشتمل على تشبيه جاء زيد وهو يسرع بما كرر فيه لفظ زيد أو ذكر موضع الضمير أجنبى، ومعلوم أن المشبه لا يقوى قوة المشبه به وذلك يقتضى أن ما ذكر فيه لفظ صاحب


(١) الأعراف: ٤.

(٢) البقرة: ٣٦.