مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الإيجاز والإطناب والمساواة

صفحة 622 - الجزء 1

  نسبيين) يعنى أنهما من الأمور النسبية كالأبوة والبنوة، وهى التى يتوقف تعلقها على تعقل غيرها، فإن الكلام الموجز إنما يدرك من حيث وصفه بالإيجاز بالقياس إلى كلام آخر أكثر منه، وكذلك المطنب إنما يدرك من حيث وصفه بالإطناب إلى كلام آخر يكون أقل منه وإنما قلنا من حيث كذا إلى آخره فيهما؛ لأنه لو نظر فى كل منهما من حيث إنه جملة أو جملتان أوله متعلقات أولا لم يكن نسبيا، وهو ظاهر (لا يتيسر الكلام فيهما) أى: أما الإيجاز والإطناب فلا يتيسر الكلام فيهما لكونهما نسبيين (إلا بترك التحقيق) يعنى التنصيص فى التعريف على ما يفيد أن هذا القدر المخصوص هو الإيجاز، وهذا هو الإطناب، ودخل فى التعريف الرسم ولو بذكر مقدار يقاس عليه، وأراد بنفى التيسر نفى الإمكان ونفى الإمكان إنما هو إذا أريد بالتحقيق ما ذكر، وهو تعيين مقدار لا يزاد عليه ولا ينقص منه؛ لأن ذلك موقوف على كون المضاف إليه متحد القدر، فيقال: ما زاد على هذا القدر فهو إطناب وما نقص فهو إيجاز والمنسوب إليه الإيجاز والإطناب غير متحد فى القدر، فلذلك تجد الكلام الواحد بالنسبة إلى قدر إيجازا وإلى قدر آخر إطنابا وبهذا يعلم أن مجرد كونهما نسبيين لا يكفى فى امتناع التحقيق المذكور، بل لا بد مع ذلك من اختلاف المنسوب إليه كما ذكرنا فافهم.

  وأما إذا أريد بالتحقيق ذكر ما يضبط أحدهما فى الجملة، فهو ممكن وهذا هو الذى يعترضه المصنف بما يأتى، وليس مراد السكاكى وبذلك يعلم ضعف الاعتراض الآتى كما علم ضعف كلام السكاكى بدون زيادة كون المنسوب إليه مختلفا كما أشرنا إليه وإذا كان مراد السكاكى ما تقدم فلا يمكن التحقيق الذى هو التنصيص على ما يتعين به المقدار فوجب ترك ذلك التحقيق لتعذره ثم إنه لا محالة يحتاج إلى شيء يضبطهما فى الجملة، وضبط المنسوب بضبط المنسوب إليه والمنسوب إليه قد عرفت أنه غير منضبط على وجه التحقيق فليطلب أقرب الأمور إلى الضبط لتقارب أفراده، ولو تقرر فيه التفاوت أيضا وقد وجد وهو الكلام العرفى، فإن تفاوت أفراده متقارب ومعرفة مقداره مع ما فيه من التفاوت الخفيف فى كل نازلة لا تتعذر غالبا فليبن عليه وإليه أشار بقوله (والبناء على أمر عرفى) وهو معطوف على ترك أى: لا يتمكن الكلام