مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تعريف الإيجاز والإطناب

صفحة 629 - الجزء 1

  منها تعسفا وتكلفا لخفائها وبعد الأخذ منها كما يشهد صادق الذوق بذلك فى شاهد الإخلال المشار إليه بقوله: (كقوله) أى: الشاعر:

  (والعيش خير فى ظلال النوك)⁣(⁣١)

  أى: الحمق والجهالة وعبر بالعيش فى الظلال عن العيش تحت ذلك الحمق والاطمئنان فى العيش إلى مقتضاه (من) عيش (من عاش كدا) أى: مكدودا متعوبا فهو مصدر فى معنى المفعول، فقوله: العيش على حذف الوصف (أى) العيش (الناعم و) قوله: عاش يتعلق به مجرور محذوف أى: خير ممن عاش (فى ظلال العقل) أى: تحت العقل وتأملاته، فأصل الكلام على هذا العيش الناعم فى ظلال الحمق خير من العيش الضيق المتعوب صاحبه فى ظلال العقل، ولا يفهم هذا المراد حتى يتأمل فى ظاهر الكلام، وأنه لا يصح لاقتضائه أن العيش ولو بالنكد مع الحمق خير من العيش بالنكد فى ظلال العقل، وهو غير صحيح لاستوائهما فى النكد وزيادة الثانى بالعقل الذى من شأنه التوسعة وإطفاء بعض نكدات العيش، فيصحح الكلام بالتقدير المذكور فجاء إخلالا لكونه غير واف لعدم تبادر المراد منه، وقيل إن الكلام على ظاهره وأن المراد تفضيل عيش الحمق مطلقا على عيش العقل مطلقا وزيادة قوله كدّا، كالتأكيد بناء على أن عيش الحمق ليس إلا ناعما وعيش العقل ليس إلا نكدا؛ لأن الأول يتنعم بما وجد لا يضيق على نفسه لشيء والثانى يتأمل فى العواقب والآفات وخوف الفناء والممات فلا يجد للعيش لذة ولو كان بحسب الظاهر ناعما، فكنى بالعيش المكدود صاحبه عن العيش العقلى، وكنى عن العيش الناعم بالعيش الحمقى ورد بأن هذا التعب مع العقل مطلقا ولو تقرر فى نفسه عند العقلاء وأقروا بصحته إنما يصدر من العقل النادر فلا يقصد فى المحاورات؛ لأن الكثير أن العيش الناعم يوجد مع العقل فالمقصود ما تقدم.


(١) البيت للحارث بن حلزة فى ديوانه ص (٤٧)، وجمهرة اللغة ص (١٠٠) والأغانى (١١/ ٤٤)، وبهجة المجالس (١/ ١٨٧)، والشعر والشعراء ص (٢٠٤)، وشعراء النصرانية (٤١٧)، وكتاب الصناعتين ص (٣٦، ١٨٨).