تعريف الإيجاز والإطناب
  أصلا ولا بما يحتاج إليه للقافية والوزن، وإنما العبرة بأصل المعنى فى التركيب وهو يصح بكل منهما (و) احترز أيضا بقوله لفائدة عن (الحشو) وهو أن يزاد فى الكلام زيادة بلا فائدة بشرط تعين تلك الزيادة، فالفرق بين الحشو والتطويل على هذا تعين الزيادة وعدمها ثم الحشو لما تعينت فيه الزيادة تصور فيه قسمان:
  أحدهما: ما يسمى بالحشو (المفسد) لإفادته معنى فاسدا وذلك (كالندى) وهو الكرم (فى قوله) أى: المتنبى (ولا فضل فيها)(١) أى: فى الدنيا (للشجاعة والندى وصبر الفتى لو لا لقاء شعوب) بفتح الشين وهو من أسماء المنية، سميت بذلك للتشعب أى:
  التفرق بها وهو علم على جنسها فهو ممنوع من الصرف صرفه للضرورة، وقد علم أن لو لا حرف امتناع لوجود، امتنع جوابها لوجود شرطها، وجوابها نفى الفضل من الدنيا المدلول عليه بقوله: ولا فضل فيها والشرط وجود لقاء الموت، فكأنه يقول لو لا لقاء الموت ما كان فضل للشجاعة ولا للصبر ولا للكرم فيكون وجود لقاء الموت مانعا من نفى الفضل، ونفى النفى إثبات فيؤول حاصل المعنى إلى أن وجود لقاء الموت مقتض فضل الشجاعة وفضل الصبر وفضل الكرم، ولو انتفى الموت لم يثبت فضل، وهذا المعنى - أعنى استلزام وجود الموت لفضل الشجاعة ونفيه لنفى فضل الشجاعة - صحيح؛ لأن الإنسان متى علم أنه لا يموت لم يبال بالاقتحام للشدائد للنصر على الأعداء، وهذا المعنى يستوى فيه الناس جميعا فلا فضل على تقديره لأحد على أحد فى الشجاعة، بخلاف ما إذا علم أنه يموت ومع ذلك يقتحم فلا يكاد يوجد هذا المعنى إلا لأفراد قلائل من الناس فيثبت لهم الفضل باختصاصهم بما لا طاقة لكل أحد عليه، وكذا الصبر على شدائد الدنيا لو انتفى الموت لم يكن له فضل؛ لأن الناس كلهم إذا علموا أن لا موت بتلك الشدة صبروا حرصا على فضيلة نفى الجزع، إذ لا يفضى إلى الموت الذى هو أعظم مصيبة وما دونها جلل، ومع ذلك لا بد أن تزول عادة بخلاف ما إذا علم الإنسان أن تلك الشدة ربما أفضت إلى الموت الذى هو أشد الشدائد، ومع ذلك يصبر عليها وإن أدت إلى الموت فهذا لا يتصف به إلا القليل من الناس فيثبت له الفضل،
(١) البيت لأبى الطيب المتنبى فى شرح ديوانه (٢/ ٧٣)، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص (١٤٣).