أن يدل العقل على مطلق الحذف وتدل العادة على تعيين المحذوف
  وأظهر لشموله كما فى آية {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} فإن تقدير التناول لشموله أظهر كما تقدم.
أن يدل العقل على مطلق الحذف وتدل العادة على تعيين المحذوف
  (ومنها) أى: من أدلة الحذف الخاص (أن يدل العقل عليه) أى: على مطلق الحذف (و) تدل (العادة) المقررة لا العادة فى استعمال الكلام كما تقدم (على التعيين) أى: تعيين المحذوف وذلك (نحو) قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز فى خطابها النساء اللاتى لمنها فى يوسف ({فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ})(١) فإن يوسف لما خرج عليهن وذهلن من جماله فقطعن أيديهن، وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قالت لهن فيه هذا الكلام ولا بد فيه من تقدير لا يستقيم إلا به، وذلك مدرك للعقل من جهة إدراكه أن اللوم لا يتعلق بالذات وإنما يلام الإنسان على فعل من أفعاله، كما أدرك أن التحريم لا يتعلق إلا بالفعل.
  فإن قيل إدراك العقل لعدم تعلق التحريم بالذات ظاهر بالاستدلال العقلى بعد العلم بأن التحريم من جنس التكليف بل قد يدعى أنه ضرورى وأما إدراكه لعدم تعلق اللوم بها فإنما ذلك من جهة أن العرف جار على أن الإنسان لا يلام إلا على أفعاله فيعود الإدراك إلى العادة كما يأتى فى ترك اللوم على الحب (قلت) بل هو ضرورى أيضا إذ لا يصدر غيره إلا من الأحمق فالمراد بالإدراك العقلى ما يستقل فيه الدليل العقلى، كنفى المجيء عن الرب تعالى، أو يكون من الأمور التى يقر بها كل أحد بلا دليل ولو كان مستنده عمل العرب، بخلاف ترك اللوم على الحب الغالب فإنما يدركه الخواص باعتبار عادة المحبين، فإذا تقرر أنه لا بد من تقدير قبل الضمير فى فيه ولا يدرك العقل وحده ما وراء ذلك، فالمقدر فيه احتمالات (فإنه) أى: الكلام الذى وقع فيه الحذف (يحتمل) ثلاثة احتمالات؛ لأن اللوم تقرر أنه لا يقع إلا على فعل الإنسان
(١) يوسف: ٣٢.