مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أن يدل العقل على مطلق الحذف وتعيين المحذوف

صفحة 649 - الجزء 1

  يجعل المصدر المنسبك من أن يدل بمعنى الفاعل فكأنه يقول منه دليل العقل، فتكون إضافته إلى العقل من إضافة الصفة إلى الموصوف، ولا يخفى ما فيه من التعسف - أيضا - ومن أجل الاحتمال الآخر والأول لم نجزم بأنه على التقدير.

أن يدل العقل على مطلق الحذف وتعيين المحذوف

  (ومنها) أى: ومن أدلة الحذف الخاص (أن يدل العقل عليهما) معا أعنى على مطلق الحذف وتعيين المحذوف، بمعنى أن العقل استقل فى إدراك الأمرين وقد علمت أن إدراكه الثانى يستلزم الأول دون العكس، ولا يخفاك ما فى هذا الكلام مما تقدم وكذا ما فى ما بعده ثم مثل لما دل فيه العقل على الحذف والتعيين فقال (نحو) قوله تعالى: ({وَجاءَ رَبُّكَ) وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}⁣(⁣١) فالعقل يدرك امتناع المجيء من الرب تعالى، وتقدس بالدليل القاطع من غير توقف على قرائن فى العبارة أصلا، ويدل على تعيين المحذوف المراد أيضا (أى أمره أو عذابه)؛ لأن العقل إذ تأمل أن ذلك فى يوم القيامة لم يجد ما يناسب يوم القيامة الموعود به للحساب والعقاب والرحمة إلا أن يقدر أمره الشامل للعذاب، أو يقدر عذابه؛ لأنه هو الموجب للتهويل والتخويف المقصود من الآية؛ فقد دل العقل على أن أحدهما لا بعينه هو المقدر، وذلك هو المراد بالتعيين هنا.

  وفى هذا الكلام شيء من وجهين:

  أحدهما: أن إدراك العقل لكون المقدر أحد هذين لا تستقل فيه دلالته بل يحتاج إلى قرائن مثل كون هذا يوم القيامة الذى لا يناسبه إلا ما ذكر فهذا مما دل فيه غير العقل، لما تقدم لنا أن المدرك هو العقل فى الكل لكن إن كانت دلالته لا تستقل نسبت الدلالة لذلك الشيء المستعان به، ولا يخفى عدم استقلال العقل هنا.

  والآخر: أنا إن جوزنا تقدير الأخص فى مقابلة الأعم لأن الأمر أعم من العذاب، لم ينحصر المقدر فيما ذكر لصحة أن يقدر وجاء نهى ربك أو جاء جند ربك القائم بتعذيب العاصى أو عبيده القائمون بذلك كالملائكة وأيضا تقدير الأمر أولى


(١) الفجر: ٢٢.