الاقتران
  أن رجلا نبه ابنه على شأن الطريق لما سلك به طريقا غير ما ينبغى فقال له ابنه: إنى عالم فقال ذلك الرجل: وعلمان خير من علم واحد أى: إضافة علم إلى علمك ثم صار مثلا للمشاورة وإنها تنبغى لما فيها من اجتماع علمين، وكذا البحث فى كل شيء بحيث لا يستقل فى ذلك الشيء بعلم واحد. فإن قيل حاصل هذا أن الإجمال ثم التفصيل فيه إيهام علمين، مع أن المعلوم واحد لتضمن التفصيل الإجمال وهذا يعد مما يستظرف كالبديع المعنوى، فكيف يعد من المعانى قلت: قد يكون المقام مقام إدراك الشيء على حقيقته والإحاطة بجوانبه كمقام الافتخار بالعلم، أو مقام التعلم والتعليم بحيث لا يقع فيه جهل بوجه ما، ولا خطأ من المتكلم أو السامع فيناسبه تعلق علمين من جهتين أو إبهام علمين إن قلنا بخلاف ذلك وليس هذا من باب التمكين ولا من باب كمال اللذة الآتيين على ما يتبين (أو ليتمكن) أى: الإيضاح بعد الإبهام يكون ليرى المعنى فى صورتين، أو ليتمكن المعنى الموضح بعد إبهامه (فى النفس) أى: فى نفس السامع (فضل تمكن) وذلك عند اقتضاء المقام ذلك التمكن، لكون المعنى ينبغى أن يملأ به القلب لرغبة أو لرهبة، أو أن يحفظ لتعظيم وعدم استهزاء أو عمل به أو نحو ذلك.
  وإنما كان فى الإيضاح بعد الإبهام فضل التمكن؛ لأن الإشعار به إجمالا يقتضى التشوق له، والشيء إذا جاء بعد التشوق يقع فى النفس فضل وقوع ويتمكن أىّ تمكن، وهذا مقتضى الجبلة (أو لتكمل) أى: يكون الإيضاح بعد الإبهام لما تقدم ويكون لتكمل (لذة العلم به) أيضا؛ لأن الإجمال يشعر به فيقع التشوق له كما تقدم. فإذا نيل بالتشوق والشوق كان ألذ بخلاف ما إذا نيل بلا شوق وطلب.
  والفرق بين التمكن واللذة فى العلم بحسب مفهومهما واضح ولو كان التشوق بالإجمال سبب كل منهما ومقام الأول كما تقدم، ومقام الثانى كإمالة نفس السامع إلى ما يلقيه المتكلم حيث يأتى به بهذا الطريق فيكون حديث المتكلم مما يراد ويرغب، لا مما يكره وينفر عنه فتأمل هنا فإن المقام سهل ممتنع.