الوجه الأول
  ثم مثل لما يحتمل المعانى الثلاثة بقوله (نحو) قوله تعالى حكاية عن موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام ({رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}(١) فإن اشرح لى) أى: ووجه الإجمال فيه ثم التفصيل أن قوله اشرح لى (يفيد طلب شرح شيء ما له) أى: للطالب، وذلك لأن المجرور نعت لمحذوف أى: اشرح شيئا كائنا لى، وعلى هذا فطلب شرح شيء على وجه الإجمال واضح ويحتمل وهو الظاهر؛ لأن الأول يستدعى تقديرا، والأصل عدمه أن المجرور متعلق باشرح، فيفيد أيضا أن ثم شيئا يشرح له؛ لأن الشرح له يستدعى مشروحا أيضا. فإن قيل: فحينئذ يكون ذكر كل فعل متعد من باب الإيضاح بعد الإبهام فإذا قيل اضرب أفاد أن ثم مضروبا ما، ثم إذا قيل زيدا أفاد إيضاحا لهذا الإبهام، ولا قائل به قلنا: طلب المتكلم الفعل لنفسه المستفاد من ذكر المجرور، يقتضى أنه طلب فعلا مخصوصا بمتعلق تعين عند المتكلم؛ لأن الغالب إدراك الإنسان المصالح الخاصة بنفسه بخصوصها، فيستفاد من ذكر المجرور أن ثم مفعولا مخصوصا عند المتكلم من أجله ومصلحته طلب الفعل لنفسه، فيتقرر أن ثم مبهما تبين بقوله صدرى فهو من باب ذكر مبهم ينتظر بيانه. بخلاف ما إذا طلب مطلق الفعل لا لنفسه فيحتمل أن يجعل لازما لعدم تعلق الغرض بمفعول خاص؛ لأن الفعل غير المخصوص بأحد لا يشترط فيه إدراك المصلحة فيه الخاصة بالمفعول، ويحتمل أن يجعل متعديا، فيكون ذكر المفعول بعد من باب ذكر شيء قد ينتظر قبل إبهامه لا من باب بيان شيء بعد إبهامه.
  والحاصل أن تخصيص المطلوب بالطالب يفيد تعينه عنده وإنما يتعين بمتعلق هو المفعول، لعلم الإنسان بأحوال نفسه غالبا وتعلق غرضه بمصالحه الخاصة غالبا فيكون ذكره بعد إيضاحا بعد إبهام، وعدم تخصصه بالطالب لا يفيد ذلك، لاحتمال اللزوم أو التعدى المنتظر، وذلك نحو قول القائل: افعل لى. يتبادر منه أن ثمّ مفعولا مبهما، وافعل بدون لى لا يتبادر منه ذلك وهذا مذوق ذوقا يؤيد ما قررناه فليتأمل، فإن فيه دقة ما فإذا تقرر أن اشرح لى يفيد شرح شيء ما للطالب (و) فى ذلك إبهام للمطلوب فقوله (صدرى يفيد تفسيره) أى: تفسير ذلك الشيء المبهم فكان فيه إيضاح بعد إبهام، إما
(١) طه: ٢٥.